في طرفة عين
بقلم: إرشاد مرزا[1]
كان موقف الحافلة مزدحما بالناس عندما وصل عابد هناك. وكان هو اليوم الأول الذي يذهب فيه عابد لحضور الدروس في الكلية التي تقع على مسافة طويلة من منزله. في أول الأمر كان متحمساً ومسروراً جداً، ولكن تحول حماسه وسروره إلى قلق وغضب، بعد أن وصل إلى موقف الحافلة ووجده مكتظا بأكثر من عشرين رجلا وإمرأة، منتظرين لوصول الحافلة.
وبالتأكيد لن يمكنه الحصول على مقعد في الباص، وهذا الزحام يدل على أن سفره لن يكون مريحا؛ وعليه أن يسافر طول الطريق إلى الكلية قائما. هذا ما عكر صفوه، منذ أن وصل إلى موقف الحافلة، وبان شعور التذمر على وجهه. وبينما كان هو في هذه الحالة، جاءت الحافلة وأخذ الناس يتدافعون للركوب، وبقي هو واقفا حيث كان. نادى قاطع التذاكر للركوب مسرعا. فنظر عابد حواليه، ثم ركب الباص بقلب ثقيل.
منذ أن ركب الحافلة، بقي عابد واقفا عند الباب نفسه نحو نصف ساعة. ثم دخل إلى وسط الحافلة، عندما نزل بعض الركاب في موقف. ووقف هناك ممسكا حقيبته إلى صدره، وقلبه مازال مهموما. وفجأة ألقي نظره على فتاة جميلة وفاتنة جالسة أمامه في المقعد قرب النافذة، وهي لبست شلوارا أسود وغطت رأسها بخمار أصفر، وهي تنظر إلى الخارج مسندة كفها إلى خدها اليمنى.
وظل عابد يحدق إليـها بدون أن يصرف بصره عنها، وهو يتمنى في نفسه أن تلتفت إليه. وبعد لحظات، التفتت الفتاة نحوه بدون قصد، وتلاقت عيناهما.
لكنها غضت بصرها فورا، وأخذت تنظر إلى الخارج كما في السابق، لكن طرفتها هذه تركت أثرا كبيرا في قلب عابد، وأحس أن ملاحتها وجمالها أذابت قلبه، كما أن قلبه صار رهينا لها.
فانتظر عابد بقلب مفعم بالأمل لتنظر إليه مرة أخرى. ولما نظرت إليه مرة أخرى بعد لحظات قليلة، انتهز عابد الفرصة، ورسم ابتسامة حلوة على شفتيه، ولدهشته أنها هي الأخرى بادلته بابتسامة حلوة.
عند ركوبه الحافلة، أحس عابد بغيظ وغضب وضيق بسبب عدم حصوله على مقعد، والزحام الشديد في الباص، والآن أحس أن كل غضبه قد تبخر، كما زال التوتر من ذهنه، بل أخذ يتمتع بالسفر الآن ويحس باللذة والسعادة لدرجة أنه حتى لم يجلس في مقعد وجده خاليا في الصف الأخير، وفضّل أن يظل قائما ليبقى بالقرب من الفتاة. إنه قد وقع في حبها في نظرته الأولى، وخيل له أنها تبادله بنفس المشاعر التي يحسها في نفسه نحوها، لأن البسمة الحلوة بقيت على شفتيــها في كل مرة التفتت فيها إليه.
هي لحظة عمر بالنسبة لعابد، لحظة سعادة وهناء.
وفجأة جاء صوت قاطع التذاكر يخبر الركاب بقدوم موقف الكلية. جفّل عابد، وبدأ قلبه يخفق على نهاية سفره الحلو، فعليه أن ينزل الآن، دون أن يتبادل كلمة مع الفتاة التي سرقت قلبه. وقبل أن يفعل شيئا جاءته دفعة شديدة من خلفه ووجد نفسه عند الباب. التفت إلى الوراء للمرة الأخيرة، ولاحظ رأس تلك الفتاة فقط، وهي ما زالت جالسة في المقعد.
نزل عابد من الحافلة، واتجه إلى مبنى الكلية بقلب ثقيل.
وصل إلى الكلية، ودخل مباشرة صفه في الطابق الثاني. ووجده مليئا بالطلاب والطالبات الجدد الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه. جلس في مقعد خالٍ في الصف الثاني، وبعد لحظات، حاول أن يحادث مع الطالب الجالس بجانبه في نفس المقعد. واستغرقا في تبادل التحيات والعبارات، إذ دخلت معلّمة شابة جميلة للغاية في الصف، وهي تلبس شلوارا أسود وخمارا أصفر غطت به رأسها، وفي يدها دفتر وحقيبة صغيرة في اليد الأخرى.
نهض جميع الطلاب والطالبات احتراماً للمعلّمة بينما وقع نظر عابد عليها، وجفّل هو بشدة: المعلمة هي الفتاة التي لقيها في الحافلة ووقع في غرامها.
غضّ عابد بصره حياء وجلس في المقعد في خجل. ورغم محاولته الشديدة ألا تلاقي عيناهما، لاحظته المعلّمة، ونظرت إليه بعينين واسعتين مندهـشـتـيـن قبل أن تواصل محاضرتها.
وتكسّر قلب عابد إلى ألف قطعة..... بعضها سقط هنا والآخر سقط هناك.
يا له من قلب مسكين!