أرملة عشيقة
(القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الفئة الثانية، فئة الماجستير في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
سمية هدايت*
سلمى كانت جالسة مع ابنها أحمد البالغ من العمر ستة أشهر في القطار السريع، وكانت مستغرقة في تفكير عميق وتخطر ببالها وساوس كثيرة، حتى غابت في عالم الخيال ونسيت صغيرها، فبدأ الطفل يبكي في حضنها جوعا، وهو يبحث عن لحمة ثديي أمه لكي يشبع بطنه بامتصاص الحليب المتدفق السائغ الذي تتقطر منه قطرات كمظاهر الحب البشري وكرمز للعلاقات البشرية التي ينوط بها وجود الكرة الخضراء.
وكانت صائمة تنظر إلى كل ذلك جالسة على المقعد التالي، حتى عندما ازداد بكاء الطفل ضمته إلى صدرها، وبدأت تردد كلمات، يا لتعاسة امرأة نسيت رضيعها، وأما أنا فمشتاقة إلى طفل ولكن الله قدر لي شيئاً آخر "بينما الأمر كذلك إذ خرجت الأم من غفوتها واندهشت عندما وجدت حضنها خاليا من الطفل وصرخت صراخا دوى القطار، وضعت صائمة يدها على عنقها وقالت لا تقلقي، رضيعك لديّ.
شكرًا لك.
عفوا،
ولكن أين غبت يا أختي معرضة عن صغيرك؟
بدأت تذرف عيناها الدموع، وقالت اليوم عادت إليّ الذكريات المؤلمة التي هدمت حياتي.
ما هي؟
هذه الرحلة إلى دلهي ذكرتني برحلة حلمت بها كرفيقة الحياة لشخص أحببته حبا جما وتركت لأجله أمي وأبي وإخواني وأعزائي وأقربائي؟ ومع الأسف فإن الرحلة التي حلمت بها مع حبيبي كشريك للحياة لم تفشل فقط بل سلبت مني كل شيء ودمرتني تدميرا كاملا حتى مت اليوم الذي اتهمني بما لا يليق بامرأة أبية وضربني وغادرني بمفردي وذهب إلى طريقه.
قد بعثني أبي وإخواني من قرية صغيرة "سهرسة" إلى مدينة كبرى "دلهي" لتحصيل العلم والتقدم في الحياة، لأكون مثالا تحتذي به الفتيات في قريتي وفي ولايتي أيضا، ولكن ماذا فعلت بهم؟ لقد خيبت آمالهم، بل قتلت أبي.
كم كان جميلا ذلك الصباح شديد البرودة من شهر كانون الأول (ديسمبر) عندما بدأت الديوك تتصايح، وكان المصلون والأتقياء يغادرون المساجد ويتجهون نحو منازلهم، كان المزارعون من الرجال والنساء يغادرون منازلهم ويذهبون إلى الحقول، والأطفال الذين لم يتأثروا ببرد شهر ديسمبر، كانوا يغادرون منازلهم في الصباح الباكر ويفتعلون حيلًا جديدة للعب مع زملائهم في الفصل. كنت أشعر كأنني أميرة، قد تناول الجميع الفطور معا وتم إرسالي بكل الاهتمام، وكانوا جميعا سعداء جدا.
مند أول يومي في الجامعة الملية الإسلامية كان "سنجيو" يهتم بي ويساعدني في جميع أموري، لقد لقيته على باب الجامعة أولا وهو أوصلني إلى قسم الجغرافية، وبمرور الوقت أصبحنا صديقين وبعد مدة تحولت الصداقة إلى المحبة، ونسيت هدفي وقصدي وبدأنا نقضي أكثر أوقاتنا معا، كنا جالسين معا في بعض الأحيان في مقصف القسم "هايجين" وبعض الأحيان في المكتب وبعض الأحيان تحت السماء أمام النافورة، كان يتكلم في غاية الجمال، وكانت كلماته أجمل من شخصيته، وفي يوم عندما كنا جالسين أمام النافورة قد أزال قلقي وتوتري بقوله لا تقلقي سأصبح مسلما وأصبحت مسرورة جدا.
ولكن منعتني "نغمة" من التقدم في هذا السفر قائلة: سوف يدمر حياتك، وطلب مني أبوي الامتناع من الخروج في الطريق الوعر، وهددني إخوتي بقتلي وبكى أبي أمامي كطفل مبررا بأنه يخدعك، فلا تخدعي نفسك ولكن ما أذعنتُ لالتماساتهم ونصائحهم وتهديداتهم، وذات يوم هو شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وذهبنا إلى المحكمة وتزوجنا وانتقلت معه إلى شقته في "تيمور نغر" وعندما سألت عن أعضاء أسرته فقال لي فقط أمي تسكن معي ولكن ذهبت إلى أختي المقيمة بلندن، لم تكن هذه كذبته الأولى، بل إنه يكذب منذ لقاءنا.
ثم بدأت سلمى تنتحب وتشكو سوء حظها، وتقول باكية: ماذا أجيب عندما يسأل هذا الطفل عن أبيه؟ بينما كانت تنتحب قام فتى وسيم، ومسح الدموع من عينيها بمنديله، وقال لا تبكي أيتها السيدة، أنا “أفروز" أدرس في كلية الطب، سأكون أبا للطفل البريء الذي فقد حنان أبيه بسبب مؤامرة أصبحت أمه ضحية لها.
اندهشت أم الطفل، وبدأ قلبها يتحرك وأحست كأن مسها الجن، أو كأنها انتقلت إلى عالم يفصل بين الدنيا والآخرة، وهو عالم عمر بأرامل بائسات ورجال حقيقيين.
**********
* حاصلة على شهادة الماجستير في قسم اللغة العربية، بالجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي، البريد الإلكتروني: som87449@gmail.com. رقم الواتساب:8744944680.