نذير أحمد البالغ من عمره خمسين سنة، يسكن في كوخ صغير في حي فقير في منطقة سنغم وهار[1] في دلهي –عاصمة الهند- يسوق السيارة أوتو[2]، وفي هذا الكوخ المكون من البلاستك وجدران الطين والسقف المبني من الخشب مع الطين يعيش أربعة أشخاص، ولا تجد فيه إلا بعض الأواني للطبخ ووعاء بلاستيكيا، والحطب في جانب لطبخ الطعام، وصندوقا باليا للملابس، وماكينة خياطة في جانب؛ فهذا كل أثاث الأسرة، تنام أفراد العائلة على الأرضية بدون سرير. فهذه العائلة الفقيرة-التي تضم الأب والأم والابنين- قد هاجرت قريتها من مقاطعة سهارنفور الواقعة في ولاية أوترابراديش، وسافرت إلى دلهي لتعليم الابنين. فالأب السائق والأم الخياطة كانا يحلمان أن يكون لابنيهما فرحان وسلطان شأن في المستقبل. وكان ـنذير أحمد يريد أن يعلّم ابنيه حتى لا يسوق ابناه السيارة وألا يسمعا السب والشتم من الشرطي والمسافر كل يوم، وكان الدخل اليومي خمس مئة روبية وأحيانا ألف روبية. وبما أن رسوم الكلية كانت عالية فكان ينفق أكبر جزء دخله على ابنيه في أداء رسوم الكلية، وكانا يظنان أن ابنيهما سيكونان يوما موظفين كبيرين في الحكومة الهندية، وستنتهي حياة الفقر والمهانة بعده.
نذير أحمد كان ينصح دوماً ابنيهما للاهتمام بالتعليم والمطالعة. وكانت أمهما حريصة على طلب علمهما، فعلمت ولديهما حظاً من القرآن واللغة الأردية والهندية والإنجليزية والحساب والعلوم الأخرى، ولكن حينما ذهب ابناهما للدراسة العليا إلى الكلية واجهت صعوبة في تعليمهما فما كسبت من الخياطة كانت تنفق على رسوم التدريب لابنيهما، ولكن ابنها الأكبر فرحان كان كثير النوم وكان كسولا جدا، ولا يرغب في المطالعة والقراءة، وكان يحتال دائما ألا يقرأ ولا يذهب إلى الكلية للدراسة، ولكن سلطان كان ذكيا ومجتهدا.
فإن الطالب الكسول يحتال دائما ألا يشارك في الاختبار لأنه يخاف من الفشل، فحالة الخوف الطارئة على نفس فرحان وعقله جعلته ينام ويلعب ويلهو ولا يقرأ ولا يجتهد. واستولى الخوف على فرحان. إنه كان ذكيا وفطنا وقد نجح في الامتحان الثانوي بامتياز، ولكن لمّا حان موعد اختبار الدخول لجامعة عليجراه الإسلامية للماجستير في علم الفيزياء تملكه خوف الرسوب في الامتحان بسبب عاداته ومزاجه. ففزع حينما جاء وقت الامتحان فاحتال الحيل وكاد المكائد ووضع البصل في إبطه ليلا، فلما أصبح أصيب بالصداع والحمى فحينما ذهب به والده إلى الطبيب وصف له بعض الأدوية للعلاج والشفاء له. ولما جاء فرحان إلى بيته طرح الأدوية خفية فاشتد مرضه ألما. لأنه لا يريد الشفاء لأنه لو شفي من مرضه فيجب عليه المشاركة في الاختبار، لكن والده كان يعزم ألا يضيع ابنه هذه السنة للاختبار فطاف والده المستشفيات والأطباء الموجودين في المدينة ولكن لم يستعد صحته ولم يشف من مرضه.
-فرحان: هل أنت جاهز للمشاركة في امتحان القبول لجامعة عليجراه الإسلامية بعد الغد؟
-لا.. لا. يا أبي.
- هل تناولت الدواء ليلاً؟
-نعم يا أبي تناولت الدواء، ولكن ما شفيت من الحمى والصداع.
فلمس أبوه جبينه وأحس حرارة شديدة فذهب به إلى المستشفى فورا. وأدخله في قسم الطوارئ. وأعطاه الأدوية واعتنى به كل العناية كيلا تفوته فرصة المشاركة في الاختبار للقبول في الجامعة. فبعد ست ساعات نزلت الحرارة وتلاشت الحمى، وأجلس ابنه في السيارة ليشارك ابنه في امتحان القبول لجامعة عليجراه الإسلامية. فشارك في امتحان القبول. وبعد أيام قليلة سأل نذير ابنه عن النتيجة.
-فرحان هل رأيت قائمة الفائزين في امتحان الدخول لجامعة عليجراه؟ سأل نذير أحمد.
-لا يا أبي..
-أنا سائق أوتو، أنفق عليك من عرق الجبين وكد اليمين كي تنجح في الحياة، ولكنك...أنت تشاهد الأفلام وتلعب الكريكت وتقضي أوقاتك في العبث واللهو والنوم، وليس عندك وقت للقراءة والمطالعة !!لو كنت ولداً مسؤولاً لشاهدت قائمة الفائزين.
-أخبرني بالنتيجة؟ استفسر نذير بغضب.
فشلت يا أبي..
فشلت!!
-فاذهب واغسل الأواني في المطعم أو سق عربة !! قال نذير لـفرحان غاضباً.
-ما أجاب فرحان ولكن سكت وتأسف على نفسه.
ولكن حينما رأى سلطان – وهو الأخ الأصغر لـفرحان- شدة غضب والده على فرحان، تيقن بأنه لا سبيل له إلا القراءة والمطالعة، وخاف أنه لو لم يجتهد سيصيبه أشد عقاب وغضب لوالده، فهيأ نفسه للقراءة والدراسة.
-أبي أريد أن أحضر امتحان القبول لجامعة جواهر لال نهرو، وحلمي أن أدرس في هذه الجامعة العريقة، هي من أرقى الجامعات الهندية المركزية التي يقصدها الطلاب من الهند وخارجها، وهي معروفة بفضائها العلمي الرصين وحرمها الطبيعي الخلاب بزهورها المتنوعة من الفل والياسمين والبوغينفيلا إلى جانب التلال الصغيرة والمباني الجميلة من الطوب الأحمر المتناسقة تماما مع جوها الطبيعي، ومطاعمها التي تقدم ألذ الأطعمة، فالطلاب بعد دخول حرمها يظنون أنهم في عالم غير عالمهم، فجميع التسهيلات المادية متوفرة في حرم الجامعة.
-ما شاء الله.. جميل جدا.
-خذ ألف روبية...وليس عندي غيرها. أعطى نذير النقود لـسلطان ودعا له بالبركة.
وبعد حين تم القبول لسلطان في جامعة جواهرلال نهرو في قسم اللغة الفارسية. كان سلطان يسكن في سكن سابرمتي[3]. وفي مساكن الطلبة تتوفر أطيب الأطعمة في صالة الطعام وتقدم أجود التسهيلات في الغرف نظير رسوم قليلة، أما الدراسة والسكن فهي مجانية تماما ليست لها رسوم. وكانت الطالبة نالني شرما تسكن في نفس السكن وفي نفس الكلية وهي كانت طالبة في قسم اللغة الفرنسية. وكانت رشيقة مائلة إلى الطول فضية اللون ذهبية الشعر وهما كانا يدرسان معا مادة التاريخ.
وكان سلطان حسن المحيا، طويل القامة، حاد الذاكرة، ولكنه كان معوزا، وقديم الطراز في ملبسه، ويستخدم جوالا غير ذكي.
وبينما نالني في طريقها إلى الكلية إذ وقع نظرها على سلطان وهو أيضا متجه إلى الكلية، فتعاقب نظرها حتى دخل سلطان في الكلية مع نالني، ولكن ما كلم أحدهما الآخر...واقضت ثلاثة أيام إذ اجتمعا في فصل التاريخ مرة ثانية في كلية العلوم الاجتماعية، إذ سأل البروفيسور من جميع الطلاب. ما هو سبب تقسيم الهند؟ فسكت كلهم ولكن أجاب تلميذ ولكن ما كان جوابه مقنعا، فرفع سلطان يده ليجيب عن سؤاله: فأجاب بكل تفصيل وأقنع البروفيسور. فـنالني وقعت في تحير بجوابه وذكائه. وبعد أيام قليلة رأت نالني هذا الشاب في صالة الطعام في سكنها سابرمتي، وكانا يسكنان في سكن مختلط، فأخذت الطبق وجلست بجنب سلطان، وبدأ يتعارف أحدهما على الآخر. إذ سألت نالني رقم جواله: فتردد سلطان مرة، ولكن حينما أخبرت بأنها تطلب منه المساعدة العلمية فقط، أعطى سلطان رقم جواله، فبدأ الحوار منذ ذلك اليوم. وبعد أيام قليلة...
-"أريد الملاحظات في مادة التاريخ التي أعطاها البروفيسور كيشور كمار، سألت نالني سلطان على الجوال.
-نعم موجودة عندي، أجاب سلطان.
-وأين أنت يا سلطان، سألت نالني؟
-في المكتبة الآن، أخبرها سلطان.
دقت الساعة الواحدة ليلا وأنت لا تزال تقرأ! سألت نالني في حيرة.
-أكمل واجبات الصف.. أجاب سلطان.
-كنت ذهبت إلى البيت وحضرت اليوم وقضيت أسبوعين في البيت لأن أمي كانت مريضة، أليس من الممكن لك أن تعطيني المواد المطلوبة كي أكملها على الميعاد. وتعال كي نشرب الشاي معاً في مطعم المكتبة.
سلطان يذهب إلى المطعم.
هذه الجامعة معروفة بحياتها الليلية فتجد الدكاكين والمطاعم مفتوحة إلى ثلث الليل، فشربا الشاي وتحادثا في مواضيع شتى، وحكت نالني أخبار بيتها وقالت إن أباه رئيس الحزب الحاكم حزب الكونغرس في ولاية ماهاراشترا، وإنه وزير في وزارة السكك الحديدية للحكومة المركزية حاليا، ولكن أمي-أستاذة في جامعة بومباي في قسم اللغة الإنجليزية- كانت مريضة، لأجل هذا ذهبت لعيادتها. فـنالني طلبت من سلطان أن يكتب لها الواجبات لمادة التاريخ لأنها متعبة ومرهقة، ووعدت له بأنه لو أكمل سلطان هذا الواجب فإنها ستأخذه يوم الأحد المقبل إلى فندق خمس نجوم لتتناول معه الطعام، وهنا ستبوح له بسر خاص. فرضي سلطان، وأكمل الواجب، وكان في أشد انتظار تلك اللحظة، وهو أيضا بدأ يتابعها خلسة، ووجد في نفسه لوعة -وفي هذا اللقاء أخبرها سلطان بأحوال بيته.
وكانت الفتاة نالني قد وقعت في حب سلطان وأي فتاة تحبه وتعشقه، فهي كانت تنتظر فرصة لإظهار حبها لسلطان. وجاء يوم الأحد ودقت الساعة السادسة مساءً، اتصلت نالني بـسلطان.
-أين أنت؟
-في المكتبة، أجاب سلطان.
- ماذا تفعل؟ استفسرت نالني.
-غدا هناك امتحان لهيئة الخدمات الإدارية الهندية، وهي مرحلة أولى لهذا الاختبار، فلا أريد الذهاب يا نالني...سكت لحظة وقال معذرة، لأنه كان يتوق للذهاب، وكان بانتظار.
-أنسيت يا سلطان أننا اتفقنا على أن نذهب إلى فندق فاخر يوم الأحد لنتغدى معا لقاء الوفاء بواجبك لأجل خاطري، أريد أن أشاركك سري الخاص كما وعدتك، ألا تأت معي؟
-لا أستطيع أن أرفض طلبك يا نالني؟
استحم سلطان ولبس أحسن ما لديه من اللباس، وبعد نصف ساعة وصلا إلى أمام سكن سابرمتي، إذ جاءت سيارة فاخرة. وبعد برهة وصلا إلى فندق ليلا بليس ذي خمس نجوم الكائن قرب ساروجني ناغار، فبسطت ألوان من الطعام والشراب، ووضعت أطباق اللحوم والمشروبات المتنوعة، فأكلا وشربا وشبعا، ثم ذهبا إلى الغرفة المعينة...وبعد الحوار القليل سأل سلطان نالني: ما هو سرك الخاص؟
نالني شرما ابنة الوزير ذات الجمال الأخاذ ومهوى مئات القلوب والأفئدة أهدت قلبها لطالب فقير، وصرفت عليه من جيبها الخاص، وقضى المحبان سنتين كاملتين في رحاب الجامعة كالطائرين يعيشان في مرح غير مباليين بما يجري حولهما، وجد كل منهما في الآخر خير أنيس وخير جليس.
والحب قد يصنعك أو يدمرك، الحب قوة إيجابية إذا تم توظيفها في محلها المناسب، ويصبح آلة مدمرة في غير محله.
الطالب سلطان الذي جاء إلى جامعة جواهر لال نهرو ليستعد للاختبار التنافسي تناسى هدفه الأصلي، وبعد الفشل مرتين في الامتحان الابتدائي لهيئة الخدمات الإدارية الهندية صار يخاف مواجهة أبيه المسكين سائق أوتو، وهو الآن في السنة الأخيرة للبكالوريوس، ولم يبق لديه إلا سنتان من الماجستير. ماذا سيفعل لو فشل في هذا الامتحان؟ كيف يواجه أباه وأمه وأخاه؟ وكيف يزيل فقر أهله في هذه الحالة؟ وأدرك أنه خان والده وخان مستقبله أيضا، الحب جميل ولكنه لا يطعم الجائع، الحب جميل لمن تكون جيوبهم مليئة بالنقود، أما الفقراء فهمهم الأول في الحياة ملأ بطونهم، وفيما هو غارق في فكره، رن جرس جواله، وفي الطرف الآخر نالني تطلب منه اللقاء فورا في قاعة الانتظار لسكن سابرمتي.
-ما بك يا نالني؟ لماذا اتصلت في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل: الساعة الواحدة والنصف بالضبط، سأل سلطان نالني.
-اشتقتُ لك حبيبي، فما رأيتك منذ أسبوع، أردت اللقاء فقط، في هذه الأيام لا تبعث لي رسائل المحبة والدلال كما كنت ترسلها، ولا تتصل بي أيضا؟ ما بك يا سلطان؟
"مشغول أنا في القراءة ولا غير" قال سلطان لنالني شرما، وبينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث إذ اتصلت به يمنى- من لكناؤ- وهي طالبة وزميلة لسلطان في الصف.
-أنا عند المكتبة ...وبأشد حاجة إلى مساعدتك يا أخي.
-ماذا حدث بك يا يمنى؟
-كنت عائداً من المكتبة إذ جاء الكلب وعض بأنيابه في رجلي.
-أسفا.. حاضر أنا في دقائق.
استأذن سلطان نالني وقال لها إنه سيتكلم معها لاحقاً، فعليه أن يذهب مع يمنى إلى مستشفى صفدر جنغ الحكومية للحقنة ضد داء الكلب وذهب سلطان إلى المستشفى مع يمنى وبقي معها إلى الفجر، وبينما هو واقف في الطابور أمام الصيدلية لأخذ الأدوية إذ رن جرس جواله وكانت نالني على الخط..."كم مرة حاولت الاتصال بك ولكنك لم ترد.. ولماذا لا ترد على اتصالاتي يا سلطان؟؟" قالت نالني في غضب.
"كنت مشغولا مع الطبيب وهناك انتظار طويل لكل شيء كما تعلمين. معذرة" وتشاجر الاثنان على الهاتف.
"سلطان أنت لم تعد تحبني"
"لا. لا.. يا حبيبتي. ليس بيني وبين يمنى شيء"
حاول سلطان أن يزيل عن ناليني غبار الشك في أمره مع يمنى.
وبعد يوم طلبت يمنى من سلطان أن يكون بجنبها فهي تعاني من الحمى الشديدة والألم في جسمها.
ذهب سلطان معها إلى المستشفى وزارا الطبيب وأخذا الأدوية وعادا. بعد أيام قليلة بينما كان سلطان يشرب الشاي في مطعم المكتبة مع يمنى وكانا يتكلمان ويضحكان إذ جاءت نالني ورأت هذا المنظر بعينيها ووقع المنظر عليها كالصاعقة، وخرجت من مطعم المكتبة متمتمة، فكرت نالني أن سلطان خذلها ووقع في حب يمنى.
شرب سلطان ويمنى الشاي معاً وذهبا إلى صفهما الدراسي، وفي مساء ذلك اليوم اتصلت نالني بــسلطان وقالت له إنها تريد اللقاء فورا.
-أنت لا تحبني ولا تتصل بي ولا ترسل رسائل الحب على الواتساب في هذه الأيام، أنت وقعت في حب يمنى؟؟ واستفسرت نالني عن أسباب عدم اهتمامه بها مؤخراً.
-حبيبتي.. أنا مشغول جدا في الدراسة وبعد شهرين هناك امتحان نهائي للبكالوريوس، وما استعددت للامتحان، ولهذا السبب لم أتصل بك، ولم أكتب الرسائل وأؤكد لك أنه ليس بيني وبين يمنى شيء.
أجاب سلطان بلطف. وإذ كانا منهمكين في الحديث جاءت رسالة من يمنى على الواتساب. أخذت نالني شرما جواله كي تقرأ الرسالة، وأخذت تفحص كل الرسائل الواردة من يمنى...ولكن ما وجدت شيئا يبدّل شكها إلى اليقين، حتى صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى لم تكشف عن علاقة غرامية بينه وبين يمنى، وكل الرسائل المتبادلة بينهما إنما دارت حول علاجها والأدوية فقط ولا غير.
وبعد قليل...
أمطر سلطان نالني بوابل من الأسئلة: كيف أحوال أمك وأبيك؟ وكيف كان سفرك؟ وما رأيك في الزواج؟ هل شاورت أمك؟؟
-لقد رجعت توا من البيت، أصيبت أمي بنوبة قلبية مرة ثانية ولكنها تعافت بحمد الله، هي الآن بخير وعافية، السفر الجوي كان مريحاً، أما فيما يخص الزواج فما طرحت المسألة على أمي، لأني أؤمن بالعلاقة المفتوحة، وما فكرت قط في أمر الزواج.
-فلا تريدين الزواج مني أصلا! لقد قلت قبل ثلاث سنوات إنك تحبينني حبا صادقا، هل هذا هو الحب الصادق أم الحب الزائف؟ سأل سلطان في قلق وحيرة.
-لا.. لا أريد الزواج، ولا أتزوج أبدا، فأنا سعيدة ومرتاحة بهذه العلاقات المفتوحة.
- ولكنني يا نالني أحببتك حبا صادقا من صميم قلبي، وكنت أريد أن أتزوجك، وكنت على يقين تام أنك لن تخذلينني أبدا...
- حبيبي نحن الآن في القرن الحادي والعشرين، يبدو أنك رجل القرون الغابرة؟ الزواج لا يخلو من مشاكل وقيود كما تعلم!! والحياة هي أكثر بكثير من الزواج والإنجاب والتقيد بالقيود والتكبل بالأغلال. أنا حرة.
-ماذا تريدين مني الآن؟ أنت خادعة وكاذبة. من الآن فصاعدا لا أريد الاستمرار بهذه العلاقة الزائفة التي لا حقيقة لها.
-لست خادعة يا سلطان، فقد أجهرت لك موقفي من الزواج، ومازلتُ أنا خليلة لك.
-لا أريد أن أستمر في مثل هذه العلاقات المفتوحة، أردت أن أتزوجك، فقد أحببتك حبا صادقا وخالصاً، حلمت بأن أتخذك رفيق دربي في الحياة، نتقاسم الأفراح والأحزان...ولكن شتان ما بيننا، هذه العلاقة بيننا هي علاقة زائفة وأود أن أنفصل عنك. أنت ابنة الوزير...وأنا ابن الفقير. أهذا هو الحب؟ أهكذا يفعل الحبيب مع المحبوب؟ لقد دمرت مستقبلي لأجل هذا الحب الزائف، قال سلطان في غضب شديد.
-وقالت نالني: لو تريد الانفصال فلا بأس. سنظل صديقين.
-لا أريد الصداقة ولا العلاقة من أي نوع كان!! ولا أريد البقاء في هذا الحب الكاذب!! قال سلطان في غضب وعاد فورا.
قلق نفسي شديد تملك سلطان بعد فراقه من نالني، فالحب في زمن الشباب شيء لا ينساه المرء، والحب عذاب يعيشه المحب طول حياته، إذا ظفر المرء بحبه، فهو عذاب من نوع، وإذا فشل في حبه فذاك أشد وأدهى وأمرّ.
ما أكل سلطان منذ يومين وما خرج من غرفته للنزهة. وذات يومٍ سأله زميل غرفته عن سبب شقائه وسوء حاله، فلم يرد عليه، وتلقى سلطان اتصالا من والده.
-يا بُنيّ أنا في أشد حاجة إلى النقود، ومتى ستنتهي دراستك؟
أجاب سلطان: سأودع خمسة آلاف روبية حصل عليها من عمل الترجمة للوفد الإيراني السياحي في حسابك البنكي غدا، بقيت سنتان للماجستير يا أبتي بقي سنتين للماجستير يا أبي.
وما هي نتيجتك في اختبار هيئة الخدمات الإدارية المدنية؟
للأسف فشلت في الامتحان للمرة الثالثة ولكنني أعدك بأنني سوف أبذل قصارى جهدي لأحقق النجاح هذه المرة.
- فشلت في المرة الثالثة...ماذا تفعل؟؟ ألا تدرس بجدية؟ ودع أباه، وقطع الخط بعد السلام والتحية.
وعلق صديقه الذي كان يسمع حواره مع أبيه:
-كيف تكذب كذبا فاحشا مع والدك! وكيف تخدع أباك! وكيف تخدع نفسك! أنا أدري كل شيء، يا أخي: “هذه الأيام الحلوة ستنتهي قريبا وكيف سيكون الحال بعد سنتين؟؟ هل فكرت؟؟"
-آه ...أسفا، كنت أفكر أيضا ماذا سيحدث بعد سنتين، وأنا أخاف كيف أواجه أبي لأنني وعدته بأنني سأكون ضابطا حكوميا بعد الفوز في الاختبار لهيئة الخدمات الإدارية الهندية ...إلى أين وصلت !!وإلى أين كنت أقصد! ليتني لم أقع في فخ الحب الزائف الذي دمر حياتي ومستقبلي ولم أجن منه إلا الشوكة.
بين سلطان الحب وسلطان العقل معركة أزلية، والعاقل وحده يظفر في هذه المعركة بقوة العقل، سلطان القرية وجد نفسه في متاهة...لا يدري كيف ينقذ نفسه، ونالني هي الأخرى تبحث عن صيد جديد لها فالحياة عندها عبارة عن المتعة الآنية والحرية المطلقة، وكل ما سواها باطل.