النمر الأسود
القاص: شهاب الدين فويتومكاداوو[1]
ترجمة: عبد الرشيد الوافي [2]
وصلته رسالة أمه بعد يوم من زواج أخته بينا[3]....
يا... راماكريشنان[4]، زفاف بينا غدا، لم أخبرك هذا لسبب خاص، إن هنا نمرا، فكّرت أنا لو أنك أتيت إلى البيت من غير أن تعرف هذا الخبر...!
شعر راماكريشنان بشيء غريب في رسالة أمه، كأن الأم تكتم عنه شيئا ما..!؟ وتضل طريقها من أجل أن دفعها أحد ما.؟ والشيء الذي لا تشمله رسالة الأم هو سذاجة كذب لا يمكن كتمانه...
فعلا... قلبه مكلوم...
ما الذي يضرّ لو أنه أرسل ردا لاذعا على هذه الرسالة...؟
لا....
لا يستعمل الإنسان الحروف لجرح قلب أمه، لأن الحروف هي الأم...!
من هو عروس بينا.؟ أين مكانه.؟ ما هي شروط الزفاف.؟ هل بينهما كفء.؟
كلما ذكر راماكريشنان هذه الأمور ازداد قلبه غضبا وحنقا.
يا أمي.... ابنك أحمق بهذا القدر...؟
فكلّمته الأم في منامه:
أنت أحمق، ألست رجلا يقع في كل ضوء الحب الضئيل...؟ ألست رجلا يرقص كما يرقص خروف إذا صحبه خروف آخر.؟ ولا يكفّ عن الرقص حتى لو كان الذي صحبه ثعلبا...؟ ثم... لا تعرف أن هذا كيد إلا حين تفقد جزء من جسدك..؟ يا راماكريشنن... من الهيّن أن يدفعك غيرك إلى كيد، ورماكريشنان هو الذي يهبّ من كل كبوة متبسما لحظة تمسه ريشة عشق، كم أعواما قد مضت من عمرك..؟ ولم تعظ أنت أية عبرة من الحياة، لا تعرف أن ما رأيته من البياض هو برص وما رأيته من بريق هو شعلة إلا بعد أن أكلك الجميع...
ترجّى راماكريشنان أن يردّ على أمه في المنام متحدثا عن أمور مختلفة...
أمي.... إن ما يزعجني هو الوحشة، إذا وجدت صحبة فكأن النسيم البارد يمسني، وأقع في عقاب لم يخل من الحب، ألم تطرديني من غير أن تبادليني حبا...؟ هل أتيت إلي بلهجة حب ورفق في أية مرحلة من طفولتي.؟
لكن الأم لم تسمحه بالحديث عن شيء ما...
تخيّل راماكريشنان أن الأم ختمت كلامها هكذا....
لا تملك أنت إلا عقل فراشة اللهب...
لم يذهب راماكريشنان للعمل بعد يوم من كلمات الأم الجارحة...
وقال لفورمان حين دعاه:
لست بخير، صداع شديد، أشعر بحمى يدبّ في جسدي...
برهة... نظر فورمان إليه نظرة إعجاب ورجع.
كم مرة أخذ راماكريشنان قلما ليكتب رسالة للأم...؟
لا تكتب...
صرفه قلبه عنه...
فقضى نهار ذاك اليوم مضطربا وحزينا.
بحلول الليل أمسى راماكريشنان تعباناً جداً، إنه أحسّ بأنه مطروح إلى كمة ما من كمم النفايات الضخمة في هذا الوجود.
ذهب راماكريشان للعمل في اليوم التالي... إذ لم يطق أن يرى عيني فورمان المحدقتين...
عندما ذهب فورمان إلى الخارج، اقتنص راماكريشنان الفرصة، فقدّم طلبا للإجازة، وخرج كما يخرج لص سارق...
لم يمكنه أن يركّز قلبه على العمل، ولم ير عمله إلا دفاعا عاجزا واستهزاء شدادا ضد غرور كبير.
لما وصل إلى حجرته الضيقة القصيرة شغل ذهنه بالأفكار التي لا تنتهي...
وتخيّل أنه يحضر في زواج أخته بعد أن جلب عجلة الزمن إلى يوم الأحد الذي شهد الزفاف، ونجح هو في ذلك...
نزل من الحافلة ومشى إلى البيت مسرعا، وكان قلبه ينبض بهجة وسرورا، هاوو... استطعت الحضور في زواج بينا...
سرعة ما... وقف أمامه ذاك الناموس، يقف نمر في الزقاق الموصل إلى بيته، السواد هو لونه، وأسنانه بيضاء، وكأن وجهه بشوش دوما....
أولا.... قال له ضميره أن يضحك...
يقف نمر وسط الحب وعلاقة الدم وهميا...
لكن... لما خطا رماكريشنان خطوتين تحرك النمر في حذر، ووجهه يقول إنه يهجم عليه إذا خطا خطوة ثالثة، ورأى راماكريشنان النمر يشدّ خطواته في كل حركة من حركاته.
تجمد راماكريشنان برهة، لا يعلم ما يفعل، وكأنه شخصية خيالية من شخصيات حكاية خرافية...
يروح الأصدقاء والأقارب إلى الزفاف، ولا يهجم النمر على أحدهم، وهدفه الوحيد هو راماكريشنان وحده...
حان أن تبدأ عادات الزواج، والنمر وراماكريشنان يقفان في الزقاق مثل تمثالين منقوشين...
فوضع رجل ما يده على كتف راماكريشنان من خلفه.
يا راماكريشنان.... لم وقفت هنا، هل تأتي من مكان عملك.؟
شعر راماكريشنان براحة لا تعبّر عنها كلمات، بدأ يفتح قفل قلبه المتهيج الثائر..
نعم.... هذا.... نمر....
ضحك الرجل:
هل هذه مشكلة..؟ أخي هذا نمر فقط، لم يمكن راماكريشنان أن يصدّق...
’ نمر فقط’.؟ هل هذا اسم نوع من النمور.؟ فأي نوع من النمور ذلك...؟
طمأنه الرجل...
هل رأيت عيني ذاك النمر.؟ لا تجد فيهما شيئا مما يكون للنمر من بسالة، وما تجده فيهما هو شبح اللاعنفية، هذا نمر أسود أحمق...
دقّق راماكريشنان نظره فعرف أن هذا حق...
ليس لشعراته إلا ثقل كِبر، ووجد في أسنانه عجز أنانية وفي أنيابه ضعف جبان...
مشى راماكريشنان إلى البيت من غير أن يلتفت إلى النمر...
أما النمر فلم يفعل إلا أن يرفع شعرات الكبر السوداء له إلى عنقه كزينة...
في ذلك اليوم نام راماكريشنان في حجرته مطمئن القلب ومستريح البال...
[1] شهاب الدين فويتومكاداوو، ثونيان بوثيابورايل شهاب الدين، المعروف باسم شهاب الدين بويثومكادافو، (من مواليد 29 أكتوبر 1963) كاتب وصحفي وشاعر وخطيب وشخصية تلفزيونية هندية. وهو كاتب مبدع في المالايالامية يكتب القصص القصيرة والروايات والمقالات والقصائد منذ عام 1982. وقد ظهرت أعماله في جميع المجلات المالايالامية الرائدة. نشرت معظم كتبه في طبعات متعددة حيث تجاوزت مبيعات كل كتاب حوالي 10000 نسخة. تم تكريمه بجوائز عديدة من قبل مجمع الأدب بولاية كيرالا، والهيئة الثقافية العليا لحكومة ولاية كيرالا، والعديد من الجمعيات الأدبية والثقافية الأخرى في الهند وخارجها. قام بكتابة نصوص وإخراج العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية لدوردارشان وآسيانت وسوريا، بما في ذلك سيناريو أحد المسلسلات الضخمة الأولى في تلفزيون المليالم ، سافر على نطاق واسع في دول الشرق الأوسط مثل الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر والبحرين، ويعد شهاب الدين من الأصوات المؤثرة في الساحة الثقافية والأدبية في ولاية كيرالا.
[2] باحث في اللغة العربية من ولاية كيرالا.
[3] Beena
[4] Ramakrishnan