ما لها وما عليها الآن
د. محمد شافعي الوافي[1]
"قالت الأستاذة بينسير: كلّ شيء انتهى بسرعة فائقة – الموت والدفن"
"الأمور مرت بسهولة في البداية ثم بدأت ترتبك وتتضيّق حتى تعقّدت تماما وفي النهاية تجرّدت من جميع عقدها"
الحديث كان يجري بين الصديقتين صوفية ونوفية في لقائهما المفاجئ بعد عشر سنوات من الافتراق. أول ما شاطرتا في هذا اللقاء المباغت هو خبر تلك المرأة التي كانت تسكن في الغرفة المجاورة لغرفتهما في الشقة بقرب الجامعة. وقد تعوّدتا على رؤيتها تراعي زوجها بجهد جهيد.
"زوجي لم يتعب لمدة أربعين سنة كان يراعيني فيها فكيف أشعر بالملل والتعب لمجرد عشر سنوات أو أكثر" هذه هي الكلمات التي يرنّ صداها في آذان الصديقتين دون انقطاع . . .
فالزوج ضحّى أزهى سنوات شبابه وكهولته في الخليج . . ..
تلك الأيام طبعا حافلة بالأعمال والجهود والآمال والتحديات ولكنها كانت بمجملها أيام الرخاء والفرح والترف لأهل هذه العائلة المتوسطة . . .
ابنتهما الوحيدة الآن في أمريكا مع زوجها فهي بوصفها مهندسة اختارت مهندسا هنديا يعمل في أمريكا قريناً لها واستقرا في أمريكا. أما ابنهما الوحيد فلم يغادر دولة قطر حيث وجد هناك منصبا عاليا في شركة دولية كبيرة ففضل الحياة فيها مع زوجته . . . الحمد لله كلهم بخير.
"حياتنا في الخليج كانت جميلة جدا . . .. مستوى حياتنا كان عاليا . . . درس ابننا وابنتنا في المعاهد العلمية المرموقة"
هي من التعابير التي تحمل المرأة بين طياتها ذكريات رائعة من أيامهم المترفة . . .
بعد ثلاثين سنة مفعمة بالحيوية والنشاط في الخليج . . . بدأ زوجي يشعر بألم شديد في ظهره … كأن السماء ارتطمت بالأرض . . . لم يُولِهِ اهتماما في الأيام الأولى ولكنه بمرور أسابيع قليلة نفد صبره حيث صار الأمر موجعا جدا . . . طلب العطلة وحصل عليها ونزل في كيرالا للعلاج . . . وبدأنا نمرّ بالمستشفيات . . . هي استقبلتنا بحفاوة بالغة ثم بَصَقتْنا سلعة مستهلكة للغاية … الأموال سالت إليها والعقارات بيعت لها وجرّبنا جميع أنواع العلاج . . . أما النتيجة النهائية فهي ما ترون من وضعه الحالي . . . أصبح طريح الفراش . . . لا يتحرك إلا أنه مع وعي كامل . . . يرى ويفهم ويشعر ولكن لا ينطق . . . لا بأس . . . القدر لاعب كبير . . . لاعب فريد . . . أصبح نحيفا وضعيفا . . . أحمله حيث يشاء داخل البيت لا خارجه . . . فلم ير السماء منذ عشر سنوات . . . أساعده في كل الأمور وهو مطمئن"
"هذه من استطراداتها كنا نسمعها ليل نهار" قالت صوفية بصوت حزين
"ذلك اليوم صباحا وجدته الزوجة مصابا بالحمى الشديدة … حدث ما خافت هو مصاب بـ “"كوفيد" أضافت الأستاذة إلى كلامها
وذلك اليوم لم تطلع النجوم أو طلعت . . . ولكنها لم تتألق. . أدخل إلى المستشفى … ثم إلى وحدة العناية المكثفة . . . أما هي فلم يسمح لها بالدخول ولا بالرؤية . . . بعد أن صحبته في جل حركاته وسكناته أكثر من نصف قرن . . . بعد أن ربَّته كأنه طفلها . . .
مضى يومان وفي اليوم الثالث لبى نداء ربه . . . وظُهْرا دُفِن مع مراعاة جميع بروتوكولات كوفيد . . . أنفاسها الآن ثقيلة بطيئة...
ما لها وما عليها الآن . . .
اطلع الابن والبنت على نبأ موت الوالد عبر الوسائل الاجتماعية واطمئنا . . . واشتغلا بالعمل دون هلع ولا جزع.
قصة رائعة، ومثيرة ولغتها جميلة. بارك الله في جهودكم.
لغة جميلة تلامس المشاعر. أتمنى لك المزيد من الإبداعات. كل التوفيق د. محمد شافعي
Good message,❣️❣️