اصعد مدرج نهج (العروسة) ببطء ... أصل إلى الدرجة الأخيرة... أضع ساقي في شارع (باب بنات) فأسقط في نهر ... بشر أمواجه... متلاطمة ... هادرة ... صائحة ... هاتفة... تغطيه سماء من اللافتات المتعددة الأحجام والأشكال والألوان عليها كتابات عديدة ...فجأة رأيت جنودا مدججين بمختلف أنواع الأسلحة أمام وخلف وفوق سيارات مصفحة وعددا كبيرا من رجال الشرطة واقفين صفوفا متراصة بهراواتهم وراء تروسهم ومياه
آسنة ملونة باردة ساخنة تنطلق في الفضاء وتنزل شآبيب وغازات خانقة مخنقة مسيلة للدموع رصاص عشوائي يستقر في الرؤوس والصدور والأرجل هراوات تهوي على الرؤوس والأكتاف والظهور والمؤخرات ...
حشرت في زاوية ... اتكأت على احد الجدران فرأيت طفلا صغيرا وحيدا في شارع مقفر يلعب في أجواء غائمة تحت سماء سوداء تنذر بنزول أمطار غزيرة تقف سيارة الشرطة ينزل منها شرطي يحمل الطفل من رقبته ويقذفه وسط السيارة على مجموعة أخرى من الأطفال ...تخرسه الدهشة ... يفيق من دهشته على بكاء وصياح الأطفال المحشورين تحته فانفجر صياحه وبكاءه ... وصلوا إلى مركز الشرطة ... أنزلوهم من السيارة ... صاح الشرطي في وجهي ... ادخل يا كلب ...يا حمار ...يا ... دخلت ... رجلاي ترتجفان.... جسمي يرتعش ... ما بك ؟ هل أصابك برد ؟ مسكني شرطي آخر من صدري وجذبني اليه بقوة ورماني بين يدي الشرطي الآخر فصفعني
وصاح في وجهي ... أين يختبئ أبوك ؟ الى أين ذهب؟ هيا قلي وإلا سحقت عظامك سحقا...ارتفع صياحي وتعالت نداءاتي مبللة بالدموع الغزيرة المتساقطة ...أين يختفي ؟ لا أعرف ... يمسكني من صدري وتنهال على وجهي الصفعات ... يلكمني على فمي فيجري الدم غزيرا... تكلم ...تكلم ... لا أعرف ... يرجني بقوة ويرميني على الجدار ... يشدني من رقبتي أشعر بالاختناق ... تكلم أيها الغد الحقير... والله لا أعرف ...والله ... أنت تعرف الله؟ أين التقيت به ؟ أين رأيته يا...أنظر... فتح قجر الطاولة ... انظر جيدا هل تراه هنا؟ مسكني من ذراعي على الأرض ... قال مثقف الحي لا تسمعوا كلامهم ... الأرض ليست كروية الشكل بل منبسطة ... والأرض بسطناها ... وضع ساقه على صدري ... داس عليها الله بساقه الكبيرة جدا فبسطها ... الأرض...تكلم ... يا...يا...يا...جاء شرطي من المكتب المجاور
قال له بعض الكلمات في أذنه...نظر إلي شزرا وركلني ...انهض يا ابن ...
أتعبتني اليوم ...لماذا لم تقل انك يتيم ...اخرج من هنا ...لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى ... خرجت جريا ... عرفت في ذلك اليوم إن الشرطي أقوى ما في الوجود فترتعد فرائصي كلما رأيت شرطيا .... وأتضاءل... أتضاءل حتى أتوارى عن الأنظار... بقيت متضائلا لأني كنت أرى الشرطة في البيت...في الشارع... في العمل...في السيارة...في الحافلة... في كل مكان ... الحشد يكبر مجموعات ... مجموعات أخرى تخرج من الانهج ...
تصبح الأمواج أكثر صخبا وأكثر سرعة ... النهر الصاخب يأخذ مجراه نحو ساحة القصبة ... تصدمه مجموعة ... أفقد توازني ... تمتد لي يد ... أتعلق بها ... اقطع بعض الخطوات...أصبح واحدا منهم ...