سؤالٌ بحجم الهملايا
أ.د. مجيب الرحمن
الهند
------------------
كان عادل جالساً في شرفة شقته في الطابق الرابع عشر، يراقب الأمطار الغزيرة والرياح العاتية وهي تهز الأشجار هزاً بقوة شديدة كأنها صممت على أن تجعل الأشجار خاوية على الأرض. أثار المشهد أمام عينيه موجات من الذكريات التي لامست أوتار قلبه. بدأ يهمهم أغنيته المفضلة لكيشور كومار:
لهرون كي طرح يادين
دل سي تكراتي هين
طوفان اتهاتي هين
لهرون كي طرح يادين
(الذكريات كالأمواج، تصدم القلب، وتثير عواصف هوجاء)
كان عادل وأرشد صديقين منذ ما يقرب من 20 عاماً. فقد كانا يعملان في نفس المنظمة منذ عشرين سنة وارتقيا إلى مناصب عليا في المنظمة، واعتبر بعضهم البعض صديقا موثوقا ومقربا. وكانا يعيشان في نفس المدينة، ويلتقيان من حين لآخر في المناسبات أو المحافل الرسمية أو العائلية
ما عدا لقاءاتهما اليومية في المكتب. وبلغت صداقتهما لدرجة أن الناس غالباً ما اعتبروهما شقيقين.
نشأ عادل في قرية ريفية في شمال الهند، حيث تلقى تعليماً متواضعاً في مدرسة القرية الحكومية. لم يتصور قط أن يحقق نجاحاً كبيراً في الحياة، فهو ينحدر من عائلة الفلاحين ذات إمكانيات محدودة. باعتباره واحداً من سبعة أشقاء، يمكن القول إنه كان الأقل حظاً، فالدراسة في مدرسة حكومية في القرية لن تضمن لك النجاح، فنادراً ما يحضر المعلمون إلى الفصول الدراسية. وفي بعض الحالات لا يحضر المعلمون إلا في نهاية الشهر لتسجيل حضورهم في السجل.
بعد الانتهاء من دراسته في مدرسة القرية، كان عادل يطمح إلى الدراسة في دلهي. لسوء الحظ، حالت المشكلات المالية للأسرة دون خططه. ولكن لحسن الحظ، نال الأخ الأكبر لعادل وظيفة في دائرة حكومية في الولاية، وعندما علم برغبة عادل في متابعة التعليم في دلهي، تعهد بتقديم كل ما أمكنه من الدعم المادي والمعنوي. انتهز عادل الفرصة الذهبية التي قدرها الله له والتحق بكلية في دلهي، حيث اجتهد بكل إخلاص حتى تخرج من الكلية. وبعد أن أكمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال اجتاز بنجاح امتحان الخدمات الإدارية في دلهي، وحصل على منصب ضابط في حكومة دلهي.
في المقابل، ينحدر أرشد من عائلة ثرية في مانالي، حيث ضمنت بساتين التفاح الرخاء للعائلة. قام والد أرشد، بنصيحة من صديقه المقرب في لكناؤ، بإدخال أرشد في مدرسة في هذه المدينة التاريخية، وعلى الرغم من إحجام أرشد في البداية عن مغادرة مناخ مانالي الهادئ إلى حرارة لكناؤ وغبارها وضجيجها، وافق عليه وأكمل تعليمه المدرسي في لكناؤ. ومثل الكثير من الطلاب، كان أرشد أيضاً يطمح إلى متابعة دراسته الجامعية في دلهي.
على الرغم من أن عادل وأرشد التحقا بنفس الكلية وكانا يعرفان بعضهما البعض، إلا أن تفاعلاتهما كانت قليلة. وبالصدفة، حضر أرشد أيضاً في امتحان الخدمات الإدارية لولاية دلهي، وحقق النجاح وحصل على منصب في نفس القسم مثل عادل. ومع قضائهما المزيد من الوقت معاً، تطورت صداقتهما وتعمقت، وبدءا يثقان ببعضهما البعض، ويتشاركان أسرارهما العميقة.
كانت حياة عادل وأرشد سعيدة. كان لديهما أطفالٌ كَبُرُوا، وكانا ناجحين على المستوى المهني. إن وجود أصدقاء مقربين وموثوقين يجعل الحياة أكثر جمالا وهناء. "الصداقة كالمظلة، كلما اشتدّ المطر كلما ازدادت الحاجة لها"، والأصدقاء الحقيقيون كأحجار الماس، لامع وجميل وذو قيمة كبيرة، ودائما في شكل منظم.
وبعد سنوات من الانغماس في الحياة المهنية، بدأ عادل يشعر بالوحدة عندما غادر أطفاله للدراسة في الخارج. لقد شعر بفراغ في حياته. لحسن حظه، أنشأ زملاؤه في الكلية مجموعة على الواتساب التي قامت بإحياء الاتصالات بينهم. ومن خلال حضوره اللقاءات مع أصدقائه في الكلية، شعر عادل بعودة روح الشباب في نفسه. وتعززت علاقته بزميله وصديقه أرشد أكثر. حقا كان يعتبر أرشد رفيقه وصديقه الحميم والأكثر ثقة على المستوى المهني.
وفي الوقت نفسه، نُقل أرشد إلى مكتب مختلف في نفس المدينة وعُيّنَ على منصب نائب مدير القسم. ومنذ الآن اقتصرت اتصالاتهم عبر الهاتف أو أثناء اجتماعات الأقسام الرسمية، ومع ذلك ظلت روابطهم قوية.
كان عادل على وشك الترقية على منصب نائب مدير القسم في مكتبه، وهي شهادة على مسيرته المشرقة وتفانيه الدؤوب في العمل، كل كان يحبه. رئيسه، الذي كان يكن له احتراما كبيرا، طلب سراً أن يقترح اسماء خبراء لإجراء المقابلة للترقية. وبدون تردد، أوصى عادل باسم أرشد، فهو أقرب أصدقائه وأكثرهم ثقة منذ أكثر من عقدين من الزمن. كان يؤمن بدعم أرشد الثابت ومناصرته له، حتى في حالة معارضة محتملة من أعضاء اللجنة الآخرين له.
ولسوء الحظ نشأت ظروف غير متوقعة عندما مرض رئيس القسم، مما استلزم وجود رئيس بالإنابة للإشراف على عملية المقابلة. بعد المقابلة، ساد صمت مطبق عن نتيجة المقابلة، مع عدم إمكانية الاطلاع على النتيجة من أي عضو من أعضاء اللجنة، بما في ذلك أرشد، الذي ظل غير مستجيب لمكالمات عادل. بدأ القلق والاضطراب يهيمنان على عادل وهو يتصارع مع الصمت وعدم اليقين.
انهار عالم عادل عندما اكتشف أن صديقه الموثوق به، أرشد، هو الذي عارض بشدة ترقيته. واغتنم القائم بأعمال الرئيس، الذي كان يحمل ضغينة ضد عادل، الفرصة لإحباط ترقيته المستحقة.
بالنسبة لعادل، فإن وجع حرمانه من الترقية يتضاءل كثيرا ومئة مرة أمام وجع الخيانة للثقة من قبل أقرب صديق له. لقد تحطم إيمانه الثابت بأن الصداقة هي أهم وأغلى شيء في الحياة. والآن يكافح عادل أن يحصل على الإجابة على سؤال: لماذا خانني أقرب صديقي بهذه الطريقة؟ لماذا؟
۞۞۞