قصة قصيرة
مصابٌ، مريضٌ، معلولٌ، مُشوهٌ، جاء على عَجَلةٍ، على دَفَقٍ سريع ٍ، على قذفٍ عالٍ منَ الدَّمِ. همَ الأبقَى والأصلحُ للحياةِ.
لحظةُ الميلادِ ثمِينة ٌوجميلة ٌلدَى طبيبةِ الحَيِّ، تهرَعُ إليها دون تردُّدٍ أو ضَجَر ٍ، كَي تكتشِفَ هذا اللبَّ الجديدَ المُقشَّرَ مِنَ الرَّحمِ الطـَّريِّ، لحظة ُالميلادِ مَوجاتٌ مِنَ الحُبِّ والتَّرقـُّبِ والخَوفِ والفَرحِ والألم، في انتظارِ الصَّرخةِ الأولَى.
البِداية ُبِصَرخةٍ، هكذا هي اللحظة ُالصَّحيحة ُللوِلادَةِ، وسُرعانَ ما تختفِي وتموتُ ويموتُ الجَسَدُ اللدُنُّ بين أصابعِ المُمرضاتِ وهُنَّ يقطعنَ الحبلَ السُّريَّ، ويتأوَّهنَ على صِراعِ الأمِّ لحظةَ الوِلادةِ.
تقِفُ عِندَ النَّافِذَةِ متأوهةً هي الُأخرَى، طبيبة الحَيِّ، هذه حالةُ كُلِّ المَواليدِ الصَّحيحةِ، الشَّهرُ التَّاسِعُ، دونَ خللٍ بالجنينِ، دونَ مرض ٍأصابَ الأمَّ، دونَ أيِّ عائق ٍلِولادةٍ سويَّةٍ، سِوَى عائقِ الحياةِ، الذي يلتفُّ كما الحبلِ السُّريِّ علَى رِقابِ الأحياءِ الأصحَّاءِ ويموتونَ كُلُّهم قبلَ لفِّ الأقمطةِ عليهم.
رسمتْ على زُجاجِ النَّافِذةِ إشارةً غيرَ واضِحَةٍ، وحينَ انتبهتْ بعدَ استغراق ٍطويلٍ في اللاوَعي، وجدَتْ أنَّها رسمَتْ شيئاً مُبهماً.
قبلَ أنْ تأخُذَ حقيبتَها للرُّجوعِ إلى دارِها لبَّتْ نِداءَ إشارةٍ مستعجلةٍ لولادةٍ سريعةٍ، شِبهُ إجهاض، أو إجهاضٌ مُبَكِّرٌ.
رغبةُ الأمِّ في بقاءِ الجَنينِ في أحشائها كان علاجاً شِبهَ مُستحيلٍ، الوصولُ إلى البقاءِ أكثرُ استحالةٍ. انزلقَ مع فَيض ٍمِنَ الدَّمِ، وغيابٌ تامٌ عن وَعي المرأةِ الحامِلِ بسببِ النَّزفِ. لكِنَّ الجنينَ يحيا على الرَّغمِ مِن أنَّهُ لم يُكمِلْ شهرَهُ السَّادِسَ.
كان المولودُ بعينٍ واحدةٍ، ومَنخرٍ صغيرٍ، مُدوَّرَ الوجهِ، وصُفرةُ مرضٍ تعترِي وجهَهُ.
وضعوهُ في غُرفةٍ خاصَّةٍ وحاضِنةٍ تحت رعايةٍ طبيَّةٍ تامَّةٍ، وبعد يومين تركتْهُ الأمُّ تحت الرِّعايةِ وغادرَتْ لِبَيتِها.
الأطفالُ الخدجُ، والمشوَّهون همُ العُنصرُ الذي يغوِي الحياةَ على ديمومتِهم وبقائِهم، بَينما الأصحاءُ يموتون مُنذُ اللحظةِ الأولَى للوِلادةِ. ينوءونَ بعيداًً حامِلينَ معهم أصواتَهم الخافِتةَ.
حينَها يتحوَّلُ المساءُ إلى مِطرقةٍ، وسِجلَّاتُ الوِلادةِ تتحوَّلُ إلى حِدادٍ.
عِناقُ الرِّيحِ لا يتحوَّلُ إلى خُبزٍ، ولا الأحجارُ تتحوَّلُ نُجوماً.
ومِن وراءِ سَوادِ الأُفقِ تركُضُ المدينة ُنحوَ الطـُّوفانِ.