لا أريد منك إلا ساعة وقلما
(القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الثانية، فئة الماجستير في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
فضيل أحمد *
كانت هي مسرورة جدًّا، تزهو بالزينة الحاصلة بالمكياج والملابس الفاخرة الجديدة، والأحجال والخلاخل الثمينة والغالية التي تحلى بها كل عضو من أعضاء جسمها، وصديقاتها وزميلاتها يمازحنها بسبب هذا اليوم لأن هذا اليوم أكثر أهمية لها، تبتسم كل منهن ببهجة وسرور، إذ اتصل بها أحد بالجوال، فأخذت جوالها وألقت نظرة عابرة على شاشة جوالها فوجدت الرقم من الأرقام التي كانت لا تعرفها من ذي قبل، فأجابت وقرّبته إلى أذنيها وقالت؛ آلو!
فقال: السلام عليكم
ردت: وعليكم السلام، من أنت؟ ومن تريد أن تتكلم؟ من فضلك.
فأجاب قائلا؛ أريد أن أتكلم معك، أنا أُدعى سعيدا.
هذا الاسم كانت تعرفه ولكن هذا الصوت لا تعرفه، لأنه لم يتصل بها قط. فتنحت عنهن معتذرة إليهن في سرعة مذهلة، وأتت في الخلوة وقالت خائفة: عما تريد أن تتكلم؟
فأجاب قائلا: قد قلت إنني لا أريد شيئاً من قِبلكم عند الزواج ولكن...... فوقف على كلمة” ولكن، وأطالها.
فخافت وفزعت لأنها قد سمعت أن بعض أهل الخطيب يقولون إنهم لا يريدون شيئا من قِبل عائلة الزوجة عند الزواج ولكنهم يطلبون أشياء كثيرة قبل يوم من الزواج، فتصورها وخيالها أفزعها وأدهشها. فسمعته يقول: ولكن هذا لا يعني أنني لا أريد شيئاً.
هذا يكفي لتأكيد كل مخاوفها، ففاضت عيناها، وضاقت عليها الأرض بما رحبت، تبللت بالعرق حتى كفيها، واقشعر جلدها، وتزحزح كيانها إلى درجة لا تكاد أن تقوم، فأسندت جسمها إلى شيء قريب منها وتمسكت به بشدة، وسمعته يقول: أريد منكِ ساعةً وقلمًا ولا غير، ولكن بشرط أن تذهبي إلى السوق وتشتري لي قلما وساعة بأموالك الخاصة لا بأموال أبيك وأخيك.
هذا ما قاله وقطع الاتصال، فتبدل خوفها إلى غضبٍ، ونظرت إلى شاشة جوالها كأنها لو تمكنت منه لقتلته وقالت ثكلتْك أمّك ... بصوت غاضب، وفكّرت كيف يمكنها أن تذهب إلى السوق وغداً مقررٌ حفل زفافها، فجعلت تطوف وتفكّر فكرة عميقة حتى وجدت حلاً فذهبت
إلى أختها وحكت عليها القصة وقالت: إذا أراد ساعة وقلما فكان يجب أن يطالبها مسبقاً، فلا يجوز أو يناسب أن يطالب شيئا قبل يوم من حفل الزفاف، أليس كذلك؟ فضحكت أختها ضحكة واسعة مرحة فنظرت إليها بغضب ووبخت أختها قائلة: ما جئتك لتسخري مني بل جئتك لتحلي مشكلتي، فلا ينبغي لك أن تضحكي على إنسان لأن من يضحك على أحدٍ يُضحك.
فضبطت أختُها ضحكتَها ثم نصحتها بأن تذهب إلى أبيهما وتستأذنه للذهاب إلى السوق، فذهبت إليه واستأذنته فمنعها قائلًا؛ لا يجوز في مجتمعنا أن تخرج فتاة من البيت قبل يوم من الزواج فلا يمكنني أن آذنكِ بالخروج من البيت...
فرجعت من عنده يائسة ثم ذهبت إلى أمّها واستأذنتها للذهاب إلى السوق فمنعتها وقالت ما قال أبوها فظلت تُقنع أمّها حتى رضيت وأذنت لها بالخروج.
ثم ذهبت مع أختها إلى السوق واشترت ساعة وقلما بمالها الخاص وعادت إلى منزلها مفكّرة طوال الطريق: هذا هو الوضع قبل الزواج فماذا سيحدث بعد الزواج؟
وبعد سنوات من حياتهما الزوجية العامرة بالسعادة والهناء سألت زوجه الحبيب عن سبب مطالبته بالساعة والقلم ولا غير من مالها الخاص قبل يوم من الزفاف، فأجاب: كانت تلك حيلة مني لأختبر مدى اهتمامك بالانضباط بالوقت والشغف بالعلم ومدى استقلاليتك في اتخاذ القرارات في الحياة، ووجدتك ناجحة في الاختبار، وأشكرك على كونك خير رفيقة دربي في الحياة، فقالت ضاحكة: أما أنا فساورتني شكوك في سلامة عقلك، الحمد لله كل شيء على خير ما يرام.... هنيئاً بالساعة والقلم.
**********
* طالب الماجستير، قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة بنارس الهندوسية، فاراناسي، الهند.