حصالة الخزف
بقلم: د. محسن عتيق خان[1]
سيتم إلغاء تداول العملات الورقية النقدية من فئة 500، و1000 روبية منذ منتصف الليل، كانت أيشواريا على وشك وضع اللقمة الأولى من عشاءها في فمها إذ وقع قول رئيس الوزراء في أذنيها فجاءة، فدُهشت وأمسكت بيدها وفوها مفتوح. رفعت بصرها إلى شاشة التلفزيون فسمعته يردف قائلا "وذلك للقضاء على الأموال السوداء وتمويل الإرهابيين، وللتخلص من العملة الزائفة من الفئتين. ونعلن عن إصدار فئة جديدة من النقد وهي ورقة ألفي روبية." اضطربت أيشواريا وقالت في نفسها "كلما يظهر هذا الشخص على شاشة التلفزيون يعلن عن خطوة مفاجئة تلقي الناس في مأزق حرج." ثم انتبهت إلى اللقمة في يدها فأعادها إلى الصحن، وألقت نظرة على زملائها في الصالة فوجدت جميعهن غارقات في صمت كأن على رؤوسهن الطير. تذكرت شيئا فبدأت تتحسس هاتفها المحمول في جيبها وعندما لم تجد، قامت وأسرعت إلى غرفتها، كان ذلك في الساعة الثامنة والربع مساء في اليوم الثامن من نوفمبر حينما كان البرد قد بدأ يشتد شيئا فشيئا، وهي أرادت أن تبلغ هذا الخبر إلى جدتها العجوز قبل أن تنام.
ما إن تلقت الجدة الاتصال في جانب آخر، صاحت أيشواريا كأنها تجردت عن مبادئها الأخلاقية "يا أماه، كم مرة قلت لك أن تجمعي النقود في البنك، ولكنك لا تزالين تضعينها في حصالة الخزف، هل تعرفين قد تم سحب العملات الورقية النقدية فئة 500 و1000 من التداول." والآن جاء صوت الجدة الهادئ من جانب آخر "يا بنيتي، هدئي من نفسك، دعيني أفكر ماذا سأفعل." وهي ربما أدركت خشونة لهجتها، فتوقفت على الفور، ثم قالت، "علينا أن نقوم باستبدالها بأوراق جديدة قبل انتهاء الموعد. ولكن من يقوم بذلك، فأنت ضعيفة جدا وأنا هنا في مدينة كوتا بعيدة عنك. فأجابت قائلة "لا تقلقي يا بنيتي، أنا لا أزال قوية، وأستطيع المشي، وسأقوم باستبدال الأوراق النقدية." ثم قالت "مع السلامة يا بنيتي" وقطعت المكالمة.
ارتطمت على فراشها وشعرت كأنها نسيت حسن التربية عندما تكلمت مع جدتها، فكان عليها ألا ترفع صوتها في أي حال، ولكن ماذا تفعل هي، فقد شهدت رغم كونها في سنها المبكرة حوادث أثرت على نفسها أثرا بالغا، شهدت أبويها يخرجان إلى مكتبيهما معا في الصباح ثم تعود جثتاهما بعد ساعة وهما قد لقيا بحادث مرور مفاجئ قضى على حياتهما، وكانت جثتاهما متلطختين بدمائهما، فالتصقت بهما باكية وصارخة واستمرت في بكائها حتى أغمي عليها، وعندما أفاقت من إغمائها كان كل شيئ قد تغيّر في البيت، فلم يبق فيه إلا هي وجدتها العجوز وبعض أقربائها الذين جاؤوا يواسونهما. كل ما حصلت عليه من المال القليل من شركتي أبويهما سلمته إلى جدتها، وهي وضعته في حصالة النقود ودفنته في الأرض حسب عادتها القديمة للحفاظ عليها من السرقة. وكذلك كل ما كانت تحصل عليه من المال في صورة منحة العجوز، كانت تحفظه في حصالة أخرى بعد قضاء حوائجها الضرورية في كل شهر.
سمعت صوت فتح الباب، فعادت إلى صوابها ومسحت دموعها من عينيها وقامت من الفراش. دخلت زميلتها في الغرفة قائلة "لماذا تركت العشاء في الوسط. قد انتهى وقت عشاء مطعم نزلنا." فأجابتها قائلة "سآكل في الخارج" وغادرت الغرفة.
طلبت من النادل أن يحضر لها صحنا من الأرز المقلي، وبدأت تحدق في شاشة التلفزيون المنصوب في ناحية من المطعم فوجت مذيعة الأخبار تردد نفس الخبر، وتعجبت عندما سمعتها تخبر الناس عن خصائص الفئة الجديدة من النقد، وهي ورقة ألفي روبية التي أعلن عن إصدارها رئيس الوزرء قبل ساعتين، وكانت تقول بأن هذه الورقة ستحمل بداخلها شريحة نظام تحديد المواقع، وهذا النظام يساعد الحكومة على اكتشاف مواقع ادخار هذه الورقة. ابتسمت على هذه الخرافات، فكانت على إلمام تام بحال الإعلام الهندي، وولائه للحزب الحاكم، وسعيه إلى إثبات وتبرير كل قرارات وخطوات رئيس الوزراء.
في صباح اليوم التالي، سحقت الجدة حصالتها وأخرجت منها عددا من العملات الورقية بغرض استبدالها ولكن عندما وصلت أمام البنك وجدت هناك حشدا كبيرا من الناس. انتظرت لحوالى نصف ساعة حتى جاء مدير فرع البنك، فخاطب الناس قائلا "قد تم إلغاء 86 في المئة من فئات الأوراق النقدية في البلاد بعد سحب ورقتي خمس مئة وألف روبية، فلا يمكن لنا أن نعوض ذلك بفئة مئة روبية أو ما دونها. أما ورقة ألفي ربية فلم تصلنا بعد. عليكم أن تنصرفوا واحضروا غدا".
في صباح الغد، عندما وصلت الجدة إلى البنك متكأة على هراوتها، وجدت صفا طويلا يبدأ من باب البنك وذيلها يغيب عن الأنظار. حاولت أن تجد مكانا في هذا الصف عند قرب الباب ولكن لم يترحم عليها أحد وكلما حاولت تم طردها، فقالت في نفسها "في وقتنا، كان الرجال يتركون مقاعدهم في الباصات للنساء، وكذلك كانوا يساعدونهن ليتممن عملهن في المكاتب أولا، ولكن ما هذا؟ لا يترحم أحد على عجوز بائسة مثلي." رأت شرطيا يحاول تسوية الصفوف وقد ضرب بعض الناس لذلك، فتوسلت إليه ولكنه اعتذر.
عادت إلى بيتها يائسة، وقررت بأنها ستغادر بيتها في الصباح الباكر لتجد مكانا في مقدمة الصف، وعندما وصلت إلى البنك وجدت حوالي مئة رجل قد اصطفوا، فانضمت إلى الصف، واليوم هي لم تحاول أن تجد مكانا في طليعة الصف إذ لم تكن تتوقع خيرا من أحد. بعد حوالي ربع ساعة فتح البنك، وعرفت بعد قليل أن المدير لا يستبدل إلا خمس مئة روبية فقط لشخص واحد في اليوم. مضت أربع ساعات أخرى ولم يبق أمامها إلا عشرة أفراد عندما أعلن الحارس من جانب المدير بأنه قد نفدت النقود في البنك، على الناس أن يعودوا إلى بيوتهم ويأتوا غدا.
كانت الجدة منهكة ومتعبة جدا، وعندما عادت إلى بيتها استلقت على فراشها. لم تتصور قط بأنها تمشي يوما في هذه الحالة وتفتقر إلى عدة روبيات رغم أن بحوزتها حصالات عديدة مليئة بالنقود الورقية. اعتزمت على أنها لا تنام اليوم، بل تخرج في آخر الليل إلى البنك لتكون أول شخص في الصف، وتحصل على بعض النقود. ألقت الجدة على جسمها شالا اتقاء من البرد وخرجت من بيتها إلى البنك مقشعرة من البرد في ليلة شهر نوفمبر. كان الصف قائما أمام البنك وكان هناك حوالى عشرين رجلا. قامت الجدة خلفهم ثم جلست عندما شعرت بالتعب، وأخيرا عندما لم تستطع أن تتحمل البرد، وهواء الصباح البارد فرشت نصف الشالة على الأرض واستلقت عليها، وألقت النصف الباقي من الشالة على نفسها. مضت ساعات عديدة حتى فتح باب البنك في الساعة العاشرة، بدأ الصف يسير إلى الأمام رويدا رويدا، وعند ذلك ناداها من كان خلفها، ولكن لم يسمع عنها جوابا، فهزها ليوقظها فوجدها قد فارقت الحياة. وضع جثتها في جانب بمساعدة بعض الآخرين بعد إخبار الشرطة، وتقدم قائلا "من يدري كم أرواحا سيأخذ هذا القرار السخيف." ثم بدأ الصف يتحرك شيئا فشيئا إلى الأمام.