الكلب والمالكة
(القصة الفائزة بالجائزة الأولى في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
محمد شاداب*
كان ذلك في صيف عام 2015، كنت في عليجراه في أحد مراكز التدريب للاستعداد للقبول في درجة البكالوريوس في جامعة عليجراه الإسلامية. لما وصلت إلى عليجراه أعطاني معلمي عنوان منزل السكن على الإيجار۔ عندما ذهبت إلى المنزل، اكتشفت أن هذا المنزل تملكها امرأة عجوز تعيش فيه بوحدها، وكان الطابق العلوي من المنزل فارغاً لا يقيم فيه أحدٌ، أجازت لنا السيدة العجوز بأن أقيم فيه.
كنت أقضي معظم أوقاتي في مركز التدريب، لأني جئتُ إلى هنا للتحضير لاختبار القبول، كنت أعود إلى المنزل لتناول الطعام والنوم فقط، وبسبب ضغوط الاستعداد للامتحان، ما كنت أهتم كثيراً بالأنشطة حولي. كنت أذهب مباشرة من مركز التدريب إلى غرفتي ومن الغرفة على طول إلى مركز التدريب دون التفت يمينا وشمالاً. وأثناء دخولي المنزل، كنت أمرُّ بفناء الدار حيث كانت المرأة العجوز تستلقي على سرير، وكان كلبها مربوطا بنفس السرير، ولم أهتم كثيرا بالكلب في البداية، كنت أدخل المنزل وأحيي المرأة العجوز وأصعد إلى الطابق العلوي. كنت أرى المرأة العجوز تتحدث إلى الكلب أحيانا، وأحيانا كانت تصرخ عليه بصوت عال جدا. في كثير من الأحيان لم أهتم كثيرا بهذه الأشياء تجنباً لتشتت ذهني الذي كان بحاجة إلى التركيز. ولكن ذات مرة رأيتها تعانق الكلب باكية، ومرة أخرى رأيتها تضربه بشدة، فازداد تجسسي وفضولي.
وفي أحد أيام الأحد، وكنت في إجازة من مركز التدريب، تجرأت على الذهاب إلى المرأة العجوز، وحييتها واستفسرت عن حالها، وخُضتُ في الحديث عما يجري في حياتها، ولكنها لم تُعر أي اهتمام بأسئلتي، فنهضتُ وغادرتُ.
بعد ذلك، كلما كنت في المنزل، رأيت العجوز تضرب كلبها أحياناً وتحبه وتبكي أحياناً، كان فُضولي يزداد أكثر فأكثر. وهذه المرة في عطلة يوم الأحد، ذهبت إلى العجوز بعد الغداء، وجلست وبدأت أستفسر عن حالها، ثم طلبت أن تحكي لي شيئاً عن نفسها، فأخبرت أنها تعيش هنا منذ زواجها، توفي زوجها قبل عامين، ولها ثلاث بنات وابنٌ، البنات يعشن في منزل أصهارهن وأما الابن، فيعيش في دلهي. ثم طرحت عليها السؤال قائلاً "أمي، لا بأس، لكنني ما زلت لا أفهم أمرك"، سألت “أي الأمر! بُنَيّ؟" قلت، "أمي، لقد رأيتك مراراً تضربين كلبك بشدة ثم تحبينه". على هذا السؤال، غشيت وجهَها سحابة من الهم والحزن وبعد أن أخذت نفسين طويلين، قالت: "الآن هذا الكلب هو كل شيء لي". ثم سألتني "يا بني، أنت لم تقل لي اسمك". قلت "اسمي أويس"، “فقالت: إنني سمعت هذا الاسم في وعظ ديني قال الخطيب فيه إن أويس القرني كان مطيعا جدا لأمه" ولم تكد تكمل جملتها حتى علق صوتها في حلقها. وسالت الدموع من عينيها. وبعد برهة، أخذت نفسا عميقا وقالت "إن لي أيضا ابناً". قالت “كان زوجي يشتغل بالزراعة، فكانت لدينا بعض الأراضي، ولكن عندما بدأ ابننا الدراسة، بعنا أرضنا لتوفير الأموال لدراسته، بعضها ذهب في رسوم التدريب وبعضها في رسوم الكلية. بعنا الأرض المتبقية وزوجنا بناتنا. الآن ليس لدي ّ سوى هذا المنزل، أجرته تتكفل نفقاتي". ثم سألت "أين ابنك الآن؟” فأجابت: “إنه أكمل دراسته في دلهي وبدأ يعمل ويعيش هناك". سألتها: " ألا يجيء هنا؟". أجابت: "لا، عندما كان يدرس في الجامعة، اعتاد أحيانا الاتصال على هاتف أحد الجيران عندما كان يحتاج إلى النقود، لكنه الآن لا يفعل ذلك، عندما تزوج قبل بضعة شهور، دعا بعض الأقارب إلى دلهي، الآن لا أعلم أين هو، ماذا يفعل، لأنه لا يتصل بي ولا يجئ هنا"، قلت "كنت تتحدثين عن كلبك" فلم تبق لديَّ رغبة كبيرة في معرفة أحوال ابنها. قالت "نعم بعد وفاة زوجي، لما صرت وحيدة، تبنيت هذا الكلب وسميته باسم ابني". فأشارت إلى الكلب وقالت "إن هذا الكلب الآن هو كل شيء لي، إذا غضبت من ابني، فأنا أبرد نار غضبي بضربه وعندما أشتاق إليه، أعانقه وأبكي". كانت الدموع تسيل من عينيها إلى وجنتيها الحمراوين المتجعدتين، وتشع بضوء الشمس وخيل لي أن الماء يسيل في النار. أما أنا، فابتلت رقبتي كلها بالدموع، وكان جسدي بلا حراك، حاولت النهوض، لكنني فشلت، وبصعوبة كبيرة نهضت وصعدت إلى الطابق العلوي دون أن أقول شيئاً وسقطت على السرير، وبعد ذلك لم تبق لديّ رغبة في النوم ولا الاستيقاظ، ومر النهار والليل كله هكذا، وعند الفجر أخذت أمتعتي وذهبت إلى منزل معلمي وأعطيته أجرة منزل المرأة. قلت: "أعط هذا تلك المرأة"، لأنه لم تكن لدي القدرة على مواجهة المرأة، بل كاد رأسي أن ينفجر عند التفكير فيها، وأخبرته أنني لن آتي للتدرب بعد الآن، حتى بعد إلحاح الكثيرين على معرفة السبب، لم أعط أي سبب لأنه لم يكن لديَّ أي سبب. ثم عدت إلى منزلي في القرية، وبعد شهرين اتصل بي معلمي وأخبرني أن المرأة قد توفيت، غادرت إلى عليجراه لحضور الجنازة، ولما عدت إلى نفس المنزل بعد مراسيم الجنازة والدفن، وجدت المنزل خاليا من الناس إلا الكلب الذي وجدتُه يبكي على فراق مالكته. وبينما كنتُ أكتب هذه القصة، توقف قلمي عن الكتابة، وفي الحقيقة جفَّ حبر قلمي وشعرت كما أن دموع قلمي قد جفت من البكاء على حالها.
**********
* طالب في السنة الثالثة من البكالوريوس، مركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.