مجلة قطوف الهند

Qutoof Al-hind Magazine

ISSN: 2583-5130 (Online)

Related Articles

الحب أعمى
الحب أعمى قصة لـ: ناميتا غوخالي * ترجمة: مخلص الرحمن ** إنه واحد مما يجري في التض
view
الخدَّج
الخدَّج قصة قصيرة بقلم: وفاء عبد الرزاق/ لندن مصابٌ، مريضٌ، معلولٌ، مُشوهٌ، ج
view
عذاب الضمير
عذاب الضمير قصة قصيرة مجيب الرحمن/ الهند بدا الشارع شبه خال من السيارات بسبب ح
view
أحببتك دون أن أراك
أحببتك دون أن أراك قصة قصيرة بقلم: محمد أجمل / الهند في إحدى ضواحي مدينة تشيناي
view
قُبلَة الموت
قُبلَة الموت قصة قصيرة بقلم: إليامين بن تومي / الجزائر كانت على عهدٍ بالموت قب
view
لهب قديم
لهب قديم قصة قصيرة بقلم: محمد بركة/ مصر هبَّت فجأة دفقة نسيم منعشة. سرنا باتج
view
اللّوح الثاني عشر
اللّوح الثاني عشر قصّة قصيرة بقلم: علي لفته سعيد/ العراق كان المجذاف قد اصطدم
view
جاري المْجهول
جاري المْجهول قصة قصيرة بقلم: هادي المياح/ العراق بعد أن أكملتُ ما نويتُ القيا
view
حصادُ الجوعِ
 حصادُ الجوعِ قصة قصيرة بقلم: فاطمة محمود سعدالله/ تونس كانت هيلين تحملق وا
view
طقوس سريّة .... وجحيم
   طقوس سريّة .... وجحيم  قصة قصيرة بقلم: حياة الرايس/ تونس الخضراء تسطع ا
view
....قصة : جميلة
قصة : جميلة .... قصة قصيرة بقلم: عائشة بنور/ الجزائر "جميلة، صديقتي جميلة، تحي
view
مختارات قصص قصيرة جدا
مختارات قصص قصيرة جدا بقلم: إلهام سعيد محمد/ اليمن تضاد اِعْتَرَضْتُ بِشَدَّة
view
...ملِكُ الملوك إذا وهَب
ملِكُ الملوك إذا وهَب...! قصة قصيرة بقلم: ربيعة جلطي/ الجزائر منذ أزمنة ولّت ترو
view
عازفة قصر البيكاديللي
عازفة قصر البيكاديللي قصة قصيرة بقلم: واسيني الأعرج/ الجزائر عندما وقفت سيلين
view
العودة إلى الذات
العودة إلى الذات قصة قصيرة بقلم: رابح خدوسي/ الجزائر كانت كمية القهوة تقل في ا
view
وجاء العيد
وجاء العيد[1] قصة قصيرة مترجمة ترجمة: بروفسير جلال السعيد الحفناوي/مصر اليوم..
view
البحث عن الهوية
 البحث عن الهوية قصة قصيرة بقلم: تجمل حق/ الهند في أحد الأيام، وبينما الصديق
view
الحب الزائف
الحب الزائف قصة قصيرة بقلم: محمد ريحان الندوي/الهند نذير أحمد البالغ من عمره
view
عودة التسُونَامِي
عودة التسُونَامِي قصة قصيرة بقلم: محمد علي الوافي كرواتل/الهند تمهيد: (لا أد
view
تحت ركام الجثث
تحت ركام الجثث قصة قصيرة بقلم: محسن عتيق خان / الهند ما إن بدأ هارش يفك حزام الك
view
قصص قصيرة جداً
قصص قصيرة جداً بقلم: وفاء عبد الرزاق[1] لندن   (ظِلٌّ) لمْ يكُنْ ظِلُّه الد
view
وابلٌ من الخيطان
وابلٌ من الخيطان بقلم: لبنى ياسين[1] سوريا/ هولندا كيف يمكنُ أن أعيشَ في هذا الع
view
قبر لكل الدموع
قبر لكل الدموع بقلم: إليامين بن تومي - الجزائر[1]   دخل البيت على غير عادته، ل
view
لقاء في كوبنهاجن
                       لقاء في كوبنهاجن          &n
view
من مذكرات كلب
من مذكرات كلب    بقلم: د. بن ضحوى خيرة                &nbs
view
رصاصة الرحمة
  رصاصة الرحمة                 بقلم: طه
view
الفتى العكّاوي
الفتى العكّاوي[1] بقلم: عائشة بنور، الجزائر  القصة الفائزة في مسابقة منتدى ال
view
قصة: حَجــرٌ
قصة: حَجــرٌ بقلم: خيرة بغاديد - الجزائر-[1]          يخطو خطواتِ
view
البوصلة والأظافر وأفول المطر
البوصلة والأظافر وأفول المطر بقلم: د.  سناء الشعلان (بنت نعيمة)[1] selenapollo@hotmai
view
"خيتينيا"
"خيتينيا" بقلم: هالة البدري/ مصر[1]   لم يتوقعا أن يكون شاطئ ميامي بهذا ا
view
مَنْ جَدَّ وَجَدَ
مَنْ جَدَّ وَجَدَ بقلم: د. مجيب الرحمن[1] "إِنَّ مُسْتَقْبَلَكُمْ بِأَيْدِيْك
view
المقامة الاقتصادية
المقامة الاقتصادية بقلم: د. محمد سليم[1] حكى خالد بن سلام قال مرّة حداني التفكير
view
الإمام الطائش
الإمام الطائش بقلم: د. طارق انور الندوي[1]   كان ذلك الحادث أليمًا ومخزيًا لل
view
محطة النار والدخان
محطة النار والدخان بقلم: د. محمد عفان[1] اقتلوهم ...شردوهم ...البارحة عندما سمع الن
view
ما لها وما عليها الآن
ما لها وما عليها الآن                               &nb
view
العروس الكسولة
العروس الكسولة بقلم: د. محمد أجمل[1]             بينما ا
view
اَللِّحَافُ
اَللِّحَافُ (من الأدب الأردي الهندي)  بقلم: عصمت تشغتائي[1] المترجم: د. محمود
view
دعوة المظلومة
دعوة المظلومة الكاتب: بريم تشاند[1] ترجمة وتلخيص: د. قمر شعبان[2]   خرج المن
view
حصالة الخزف
حصالة الخزف بقلم: د. محسن عتيق خان[1] سيتم إلغاء تداول العملات الورقية النقدية من
view
عيدُ غريبٍ
عيدُ غريبٍ بقلم: عبيد الرحمن[1]   راشد يعمل مهندسا برمجيا في إحدى شركات الحوس
view
في طرفة عين
                                        في طر
view
طالب طموح بين رحى الحياة
طالب طموح بين رحى الحياة د. تجمل حق[1] سمع أنوار الحق قصة نجاحات المتخرجين في الم
view
تاريني ماجي (الملاح)
تاريني الملاح بقلم: تاراشنكر بانديوبادياي[1] ترجمة من اللغة البنغالية إلى اللغة
view
لعبة الأقدار
لعبة الأقدار          بقلم: د. محمد ميكائيل[1] صبيحة يوم السبت من شهر دي
view
صوبور
صوبور حكاية شعبية بنغالية * ترجمة وإعادة الصياغة: د. معراج أحمد معراج الندوي** -
view
الحامول (امربيل)
الحامول (امربيل) الكاتبة: عصمت تشغتائي [1] ترجمة: محمد مظهر[2]   لم يكن كف
view
الباحث عن السلام
الباحث عن السلام ترجمة: بريتي بهارتيا[1] الكاتب: أوبنيدرا ناث أشك[2] لا تبحث عن ا
view
حُرمة الضيف
حُرمة الضيف الكاتب: عبدل بسم الله[1] ترجمة د. أحمد القاضي[2]   سادت موجة شديد
view
الهنــد التـي أحبهـا
الهنــد التـي أحبهـا الكاتب: روسكين بوند[1] ترجمة: د. محمد أجمل[2] قبل بضع سنوات،
view
طعام بأنامل الموت
طعام بأنامل الموت الكاتبة: كامالا ثريا[1] ترجمة د. عبد الغفور الهدوي كوناتودي[2]
view
النمر الأسود
  النمر الأسود القاص: شهاب الدين فويتومكاداوو[1] ترجمة: عبد الرشيد الوافي [2]
view
اليأس
اليأس الكاتب: فايكم محمد بشير [1] ترجمة: أنشدة رشيد[2] بدأ حياته فقيراً، وعرف الت
view
أوبوماوو
أوبوماوو الكاتبة: تشاندراماتي [1] الترجمة: عبد الله الوافي [2] كلا الولدين يتصلا
view
قصة "بِديني" - مُلاعبة الثعبان
قصة "بِديني"[1]  - "مُلاعبة الثعبان" لـ تاراشنكر بانديوبادهياي[2] الكا
view
كابولي والا (رجل من كابل)
"كابولي والا" (رجل من كابل) قصة قصيرة لـــ"رابيندرا ناث طاغور"[1] ترجم
view
لاعبا الشطرنج
لاعبا الشطرنج قصة قصيرة لـ"المنشئ بريم تشند"[1] ترجمة: [2]د. قمر شعبان في عص
view
يوم ماتت الأميرة ديانا
يوم ماتت الأميرة ديانا قصة لـ: ناميتا غوخالي * ترجمة: د. مخلص الرحمن ** دائما كان
view
ضحكة رنّانة
ضحكة رنّانة (القصة الفائزة بالجائزة الأولى بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة الدكت
view
في كل سنبلة مائة حياة
في كل سنبلة مائة حياة (القصة الفائزة بالجائزة الأولى بالمناصفة في الفئة الأولى،
view
الفجوة الجيلية
الفجوة الجيلية (القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الأولى، فئة الدكتوراه ف
view
نصيبي
نصيبي (القصة الفائزة بالجائزة الثانية بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة الدكتوراه
view
بعد الامتحان
بعد الامتحان (القصة الفائزة بالجائزة الثانية بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة الد
view
الجنين المصلوب
الجنين المصلوب (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة ا
view
لا تذهبي... أنا آسف
لا تذهبي... أنا آسف (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة في الفئة الأولى، فئة الدكتورا
view
السكرتير
السكرتير (القصة الفائزة بالجائزة الأولى في الفئة الثانية، فئة الماجستير في المس
view
لا أريد منك إلا ساعة وقلما
لا أريد منك إلا ساعة وقلما (القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الثانية، فئة
view
الجنون
الجنون (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثانية، فئة الماجستي
view
على ضفة نهر الكنج
على ضفة نهر الكنج (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثانية، فئ
view
الكلب والمالكة
الكلب والمالكة (القصة الفائزة بالجائزة الأولى في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس
view
الفتاة الهندية
الفتاة الهندية (القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الثالثة، فئة البكالوريو
view
أسوأ سفر
أسوأ سفر (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، في ا
view
النصيحة
النصيحة (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثالثة، فئة البكالو
view
أمٌّ في وادي تشيناب
أمٌّ في وادي تشيناب (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الفئة الأولى، فئ
view
زوج فقير
زوج فقير (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الأولى، فئة الدكتور
view
على عتبة الفاشية
على عتبة الفاشية (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الأولى، فئة
view
بين عدوى الفيروس وعدوى الكراهية
بين عدوى الفيروس وعدوى الكراهية (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الف
view
الحب الأعمى
الحب الأعمى (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الثانية، فئة الم
view
أرملة عشيقة
أرملة عشيقة (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الفئة الثانية، فئة الما
view
مغبة الانتظار
مغبة الانتظار (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثالثة في الفئة الثانية، فئة ا
view
الغيبوبة
الغيبوبة (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، ف
view
جريمة قتل مزدوجة
جريمة قتل مزدوجة  د. محمد أجمل * حان وقت الظهيرة. فكرت أن أستريح لبضع دقائق فقط
view
البوصلة والأظافر وأفول المطر
    البوصلة والأظافر وأفول المطر بقلم: د. سناء الشعلان (بنت نعيمة) إن كان
view
ساعتان وبضع دقائق
ساعتان وبضع دقائق إلى روح الشاب محمد الحاج علي الذي قضى في حريق لندن بقلم: لبنى
view
الصّديق السّرّيّ
الصّديق السّرّيّ بقلم: د. سناء الشعلان (بنت نعيمة) روائية وقاصة أردنية لم يحظّ
view
طائرة ورقية
طائرة ورقية بقلم: د. مديحة بلاح كاتبة جزائرية ما أجمل الكلام الذي لا يقال إل
view
في اليوم العشرين
في اليوم العشرين أ.د. مجيب الرحمن مركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواه
view
بنت عفيفة
بنت عفيفة بقلم: د. محمد أجمل أستاذ مساعد، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جام
view
جور الوحوش وعدل الثعلب
جور الوحوش وعدل الثعلب بقلم: عبد الرقيب علي ماجد طالب ماجستير بجامعة جواهر لال
view
غَطِ وجهَكَ بهذهِ الكمامة
غَطِ وجهَكَ بهذهِ الكمامة عبد الرؤوف توتي بن حمزة كاتب هندي كان الطابق الثالث
view
إن العالم لا يصلح للعيش
إن العالم لا يصلح للعيش عبد الله سراج طالب الماجستير، السنة النهائية، مركز الد
view
الشعر الطويل
الشعر الطويل الكاتب: بشيشر براديب* المترجم:  أ.د. جلال السعيد الحفناوي** &nbs
view
ليتوقد الفانوس طول الليل
ليتوقد الفانوس طول الليل الكاتب: خواجه أحمد عباس المترجم:  أ.  د. محمد قطب ا
view
بئر الساقية
بئر الساقية الكاتب: المنشئ بريم تشاند * المترجم:  د. قمرشعبان الندوي ** قال
view
قصص قصيرة جدا
قصص قصيرة جدا بقلم: وفاء عبد الرزاق (1) ( عَارِفٌ غَيرُ عَارِفٍ ) تمدَّد على صو
view
وحش ما قالته العرب في ملحمة الفلسطينيّ
وحش ما قالته العرب في ملحمة الفلسطينيّ  أ.د.سناء الشعلان/ الأردن    &n
view
الضربة الأخيرة
الضربة الأخيرة بقلم: لبنى ياسين سوريا/ هولندا لم يعدْ السيافُ مسرورٌ مسروراً
view
القطار
 القطار زياد طارق عبد الله العبيدي شاعر وقاص من العراق.   ------------------
view
سؤالٌ بحجم الهملايا
 سؤالٌ بحجم الهملايا أ.د. مجيب الرحمن الهند ------------------ كان عادل جالساً في
view
من الشكوى إلى الشكر
من الشكوى إلى الشكر  د. محمد أجمل الهند ------------------ سألت سعاد زوجها حارث بص
view
فَكِّر مَرَّتين قبل أن .....
فَكِّر مَرَّتين قبل أن .....  عابد زين كيه الهند ------------------ ذبلت أشعة الشمس و
view
ضيق القلب
 ضيق القلب سمية رياش ------------------ رأت سيارات متحركة على الشوارع وكانت هائمة ف
view
رجل شقي
 رجل شقي محمد حُمَيْس الهاشمي الهند ------------------ هذه قصة رجل لم يقدر نعم ربه
view
الضغث على الإبالة
 الضغث على الإبالة أمير الدين الهند ------------------ لَبّى شقيق "سلام" دعو
view
الهواية المفضلة
الهواية المفضلة   مجموعة من الطلبة والطالبات جامعة جواهر لال نهرو، نيو دل
view
زوج زيتون
 زوج زيتون شهاب علي الهند ------------------ تفشى الظلام رويدا رويداً وتلاشت أمار
view
طريق النجاة
 طريق النجاة قصة لـ: للمنشئ بريم تشاند ترجمة لـ: د. قمر شعبان/الهند -----------------
view
وقائع المنفى
 وقائع المنفى (قصة ميثولوجية) قصة لـ: ناميتا غوخالي ترجمة لـ: د. مخلص الرحمن/
view
!من يُحيي ومن يَحيى
من يُحيي ومن يَحيى ! قصة لـ: مانك بندوبدهاي (أديب وقاص وروائي بنجابي هندي) ترجمة
view
يوم في حياة منجم
 يوم في حياة منجم قصة لـ: : آر. كيه. نارائن (كاتب هندي شهير) ترجمة لـ: مأمون مظهر
view

الأب الثاكل

Qutoof Al-hind - ISSN: 2583-5130 - مجلة قطوف الهند، المجلد 2، العدد الأول والثاني 2023
April 01, 2023
247 


الأب الثاكل

بقلم: عبيد الرحمن

كاتب هندي

"بابا، بابا"

كأن طفلة همست في أذني بهذا الصوت، يا لروعة هذا الصوت، إنه صوت فاق أروع الموسيقى رقة وعذوبة، صوت دغدغ سمعي بلطفه ونقاءه، صوت تردد صداه في ذهني منذ سنوات، صوت لطالما اشتاق له قلبي وحنت إليه روحي.

هبت بداخلي نفحات السعادة عندما علمت من الفحص الطبي أن زوجتي حملت بطفلة، الفرحة أذهبت النوم من عيني تلك الليلة، عندما نامت سلمى تسللتُ من الغرفة، وصعدت إلى سطح بيتي وافترشت السجادة والوسائد وتمددت على ظهري، ثم بدأت أمعن النظر في صفحة السماء التي كانت تفاخر الأرض بصفاء أديمها وضياء كوكبها، في عتمة الليل سكب القمر أشعته الخاطفة في قريحتي ليطلق العنان لخيالي، فحلقت بالفضاء الرحبة وذهبت بي مخيلتي إلى أحلى الخواطر، فهمست في نفسي:

"سأسميها بشري تيمناً بقدومها كطليعة للسعادة والبركة، وسينجلي بها كل همي، يا له من اسم جميل، بشري طفلتي السعيدة ستبشرنا بطلوع شمس السعادة والبركة على أهلنا. بشرى، سلمى، اسمان منسجمان، أليس كذلك؟ آه سلمى! كم أحبها، أنا أسعد الناس بها، حقق الله لي بفضلها أغلى أمنيتي، كنت أحلم أن تكون باكورة أولادي بنتاً، وها هي بوادر هذه البشارة تزيد من حبي واحترامي لسلمى بأضعاف، لن أتمكن من تسديد دينها، حتى لو ضحيت لها بنفسي."

كنت غارقا في خيالي إذ أحسست بتربيت لطيف على كتفي ما جعلني أهبط على جسدي من سماء خيالي عنوةً، وتنبهت فإذا هي سلمي جالسة بجانبي. قالت سلمى بصوت ملئه الحب وبعض اللوم:

"تركتني بمفردي لتسامر النجوم والكواكب ههنا، هل أنت قلق بشأن الطفلة في رحمي، لا داعي للقلق حبيبي، كل طفل، ذكرا كان أو أنثى، يأتي في هذا العالم ورزقة معه، أنا آسفة جدا إنها أنثى، ولكن ذلك ما قدر الله، فلنرض بقضاء الله."

ارتعدت فرائصي وغمرتني الحيرة عندما سمعت قولها الغريب، ولكني قلت في نفسي: في المجتمع الذكوري ليس من الغريب مثل هذه الأفكار، ثم خاطبتُ سلمى بلطف:

"حبيبتي سلمى، أنت أغلى وأحلى امرأة في الدنيا، أنت التي جلبت السعادة في حياتي، أملي تألق واعتلى عرش الزهو بفضل تلك المضغة التي تركل رحمك يا حبيبتي، أنا أنتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم السعيد الذي تطلع فيه شمس السعادة علينا، يوم يعلو بنا إلى السدرة المنتهى، يوم يبشرنا بقدوم روح تنورنا بتباشير الخير والبركة. لا أتذكر بالضبط عدد الليالي التي سهرتُها لأمدَّ يدي إلى الله تضرعاَ لأسأله أن يرزقني بنتاً لطيفة بارة، فأنا اليوم أخرُّ ساجدا لله وأسكب دموع السعادة أمامه، إنه استجاب دعاءي، أعتبر قدوم هذه الروح الميمونة نعمة لا يلقّاها إلا ذو حظ عظيم."

-هل تعلمين يا سلمى ماذا أسميها؟

ـ ماذا؟

ـ"بشرى". رائعة، أليس كذلك؟

- بالطبع، إنها رائعة، ولكن ما هو الدافع وراء هذه التسمية؟

- اخترتها تيمناً ببشارة تحل بنا بقدومها الميمون، وأيضاً إنها تنسجم في الوزن مع اسمك.

شعرتً بشعاع لطيف ينسكب من عيني سلمة وببشاشة هادئة تعلو وجهها، واختفت رعشات تلك الأحزان التي كانت تنبثق من صوتها حينما صارحتني بقلقها بشأن الوليدة في بطنها.

 

ـــــــــــــــــــــــ

 

مرت الأيام ودخلت سلمى المرحلة الأخيرة للحمل، عندما أغادر للعمل في الصباح لا يطاوعني قلبي أن أتركها لوحدها، وعندما أكون غارقاً في عملي لا تزال ذاكرتي عالقة بابتسامتها الحلوة وقبلتها الدافئة عند مغادرتها، ويداخلني الإحساس بأن زوجتي سلمي في هذه الأيام في أشد الاحتياج لحبي ولرعايتي، لا يجدر بي أن أواصل عملي في المكتب وأتركها لشأنها. قررت أن أكون على إجازة حتى قدوم ابنتي الحبيبة. قدمت طلباً لإجازة نصف شهر في شركتي، فوافق عليه المدير، رجعت لمنزلي مصمماً على مساعدة سلمى ورعايتها بكل ما في وسعي، أشرت عليها بالتزام ما وصفه الطبيب من المكملات الغذائية وتناول الوجبات المتوازنة والغنية بالفيتامينات اللازمة للصحة الجيدة للطفلة والأم، لم أدعها تحمل الوزن الثقيل إشفاقاً من أن يعتري الطفلة بعض التلف. رغم رفضي، أصرت سلمى على تدبير شؤون المنزل ومسح عدسات منظاري وشاشات حاسوبي وتلميعها. لم تكن في منزلي الغسالة، فساعدتها على حمل دلو الماء الثقيل وغسل الملابس الكثيفة، كما ساعدتها في الطبخ عندما حصلت لها مشكلة. لامني بعض أحبابي واستغرب تعاملي مع زوجتي، ولكني لم أكترث لقولهم.

 

ــــــــــــــــــــــــ

 

جاء ذلك اليوم السعيد الذي طال انتظاري له، أدرك سلمى المخاضُ فبادرت بحملها إلى المشفى القريب مع أختها وبعض جارتي، دخلت سلمى غرفة الولادة، وبقيت في الخارج أدعو إلى الله بتضرع للولادة السهلة، مضت ساعات، ولكني لم أسمع خبراً يسرني، سألت الطبيبة، فأجابت: هناك مشكلة طفيفة فقط، ولكن لا داعي للقلق. ما زلت في انتظار وكل أملي منوط بالله عز وجل، تارة أدعو، وتارة أبكي حتى مالت الشمس إلى الغروب ومد الظلام رواقه. بعد ست ساعات قريباً اتجهت إلى إحدى الممرضات، فظننت أن موعد فرحتي قاب قوسين أو أدنى، ولكن سرعان ما خاب أملي عندما همست في أذني قائلة: "الأمر خارج عن السيطرة يا سيدي، نحتاج لإحالتها لمشفى آخر ليتم الإنجاب عن طريق عملية قيصرية." لسماع قولها، ارتفعت دقات قلبي، وتمايلت أشباح الأحزان أمام عيني، اتصلت بإحدى المستشفيات المتقدمة حالاً ونقلت زوجتي إليها، فحص الطبيب حالها، وقال: الأمر خطيرٌ جدا، ولكن لا داعي للقلق، سوف يكون كل شيء على ما يرام. أحاطت بي المخاوف من كل صوب، وانهمرت دموعي كالمطر من عيني، لم يبق لي حول ولا قوة إلا أن ألوذ بالدعاء إلى الله، في سكينة الليل قابعاً في إحدى زوايا المشفى، بكيت وتضرعت حتى احمرت عيناي. بعد أن انتهيت من الدعاء، أسرعت نحوي إحدى الطبيبات والدموع تترقرق في عينيها: "تعازينا لك يا سيدي لم نستطع إنقاذ الأم، ولكن الطفلة على قيد الحياة." أرسلت هذه الجملة رعشات عاتية في كياني، ووقفت على قدمي مرتجفاً كقصبة في مهب الرياح، وشعرت كأن وجودي تشتت وتبعثر في الهواء كالرماد. بكيت بصوت تردد صداه في جدران المستشفى. تملكني الألم الشديد والغضب الثائر في نفس الوقت. ما فائدة هذه المعدات الطبية، وما جدوى هذه التقنيات الحديثة إذا لم تتمكن من إنقاذ بشر من مخلب الموت. قبضت بأصابعي من شدة الغضب وتمنيت لو كان بوسعي لحولت جميع مباني المشفى مع جميع معداتها الطبية إلى حطام.

آه يا لشقاء الأيام، داستني بأقدامها الحديدية ولطمتني بقساوتها. رفيقة حياتي سلمى هجرتني؟ لا أكاد أصدق. كيف أتحمل فراقك يا سلمى، لقد تركتني ميتاً بين حوافر الحياة، أين أجدك يا سلمى، وبم أستعيض عنك؟ ضميني إلى صدرك يا سلمى وخديني معك إلى قبرك.

 

ــــــــــــــــــــــــ

 

بعد أن استفقت قليلاً من نوبات الهموم، وعادت إليّ بعض القوى بعد أن هدأت وطأة الكآبة. قصدت إلى بيت ذكرى أخت زوجتي سلمى التي حملت معها ابنتي لتسربل عليها الرعاية الأموية وتحفها بدفء حبها. أول نظرتي على ابنتي بشرى أوحت إلى قلبي السكينة. إنها تشبه أمها بجميع تفاصيلها، بصباحة سحنتها، وإشراق وجهها، وروعة جبهتها، وبهاء، وجنتها. إنها ابنتي، فلذة كبد سلمى، وجزاء ليالي الساهرة وتضرعاتي المتذللة أمام الخالق، آه، يا لروعتها وجمالها، صبيحة كديمة، أنيقة كمزنة، سكن القمر شرايينها ليضيء بضوءه وجودها، وحلت الكواكب خلاياها ليشرق كل ذرة من ذرات كيانها.

استودعت ابنتي بشرى خالتها، لتربيها في كنفها وتعوضها بحنانها عن فقد أمها.

انصرفت إلى عملي بشكل روتيني وظلت ذكريات سلمى مستقرة في مخيلتي، أثناء عملي في المكتب أحاول التغلب على البكاء، ولكن أجفاني الطافحة بالمدامع تأبى إلا أن تستفرغ إناءها الهائج بموجات الشجي. أسير ميتاً بين الأحياء، وأتجرع جرعات الحياة من أجل ابنتي فقط. في ظلام الليل الدامس عندما تشرب جفون الأنام كأس الكرى، أختبأ بستائرها السوداء لأسكب الدموع.

في إحدى الليالي عندما أنهك النحيب عيني وأخلدهما لحضن النوم، زارتني سلمى في المنام وضمتني إلى صدرها كما تضم البحر السواقي الهائمة نحوه، ولامست شعري بأطراف أصابعها، وخاطبتني بصوت يحاكي نغمة النأي رقةً:

"لقد سحق الأسى قلبك حبيبي، جئت لكي أضمك بذراعي وأرش على وجودك الذي لحفته نيران الحزن رذاذا من الماء الصافي المتدفق من ينبوع عواطفي الزكية، أنا أعلم أن أيامك المشرقة تحولت إلى ليل دامس بفراقي، وأصبحت حائراً بين أشواك الحياة. لا تحزن لموتي حبيبي، إنه الموت، الموت الذي يفوق الحياة قوةً وأثراً، ويضم كل حي إلى طياته، إنه يلتهم كل ما دنا وبعد ليحوله صفراً أبدياً، فأنا الآن أصبحت صفراً أبدياً لأرافق روحك وأضفي على فلذة كبدي بشرى كل ما أمتلك من الطاقة، أنا ذاك الصفر الذي هو منبع جميع الطاقات. حبيبي جئت لأعلمك أسرار الحزن وأخفف عنك أثقاله، الحزن يشبه الموت في العظمة، كما أن الحياة تسلس قيادها لجبروت الموت، السعادة تذوب أمام هيبة الحزن، إنه عظيم فلا يدنو إلا من العظماء، كما أن الجداول تتجه نحو البحر والأزهار تتفتح للنور والغيوم تهبط نحو الوادي، كذلك الحزن يتخذ من ضلوع العظماء مقرا له، إنه مفتاح إلى الأسرار المكنونة والخفايا الغامضة، إنه يصطفي الخيرة من البشر فيجعله عظيماً كعظمته، استقبل هذا الحزن برحابة الصدر يا حبيبي وضمه إلى صدرك بشجاعة، لا تدع جسمك المادي يخور وينهار لشد لوعته، إنه مصباح استنار بداخلك ليضيء روحك. فاستخدم لوعته لإنارة روحك لا لإحراق جسدك.

حبيبي عندما تتغلب عليك ذكرياتي، ألق نظرة على ابنتنا الحبيبة بشرى ستجدني في ملامحها، لقد استنسخت نفسي في وجودها لتعكسني بجميع تفاصيلها، أنا أحبها أكثر من حبك لها."

بعد أن انتهت من كلامها، أردت أن أبوح لها بما يدور بخلدي، ولكن نابت عيناي الطافحتان بالدمع عن لساني، أمسكت يدها بقوة لكيلا تغرب عني، ولكن فجأة فرقت اليقظة ما جمعه المنام. ليتني ما صحيت قط من هذا المنام، ليتني تمكنت من مصارحتها بخواطري، آه! يا لشقاء الحظ، لقد فرقت اليقظة بيني وبينها ولم أستطع أن أقول لها: "كيف أتحمل الحياة بدونك، إن أقصى مرامي أن أري نور عينيك وأسمع نغمة صوتك. آه يا عزيزتي! من يسبر أغوار ذاك الأسى الذي يعتصر عظامي ويفتت محاجر فؤادي."

ــــــــــــــــــــــــ

مرت الأعوام ودارت الأيام دورتها، وظهرت على وجهي تجاعيد الزمن، واستقرت على جبيني آثار الكآبة القابعة بقرارة روحي، ودخلت ابنتي بشرى الربيع السابع من عمرها، تزوجت ذكرى بأحد أبناء عمها، بعد زواجها دخلت بشرى تماماً تحت كنفي ورعايتي، غمرتُ صغيرتي بشرى بنعيم الحياة ورخاءها، سعادتها من أول يوم كانت من أسمى غاياتي، جهزت لها الوجبات، وطبخت لها أشهى الأطباق، وغسلت ملابسها. قضيت الساعات بتجعيد شعرها وتنضيد اثوابها، عندما خلعت الطبيعة أثواب النور واسود الظلام وسجى برداءه الدامس جسد الطبيعة، قصصت لصغيرتي قصصا لترتشف كأس النوم ممزوجة بلذة الأقاصيص وحلاوة الحكايات، أخبرتها خالتها عن فاجعة أمها، ففي بعض الليالي سألتني عن أمها، فتجاذبنا أطراف الحديث بتلهف عن سلمى وصفاتها الملكية. عندما مزق الصباح نقاب الكرى عن أجفاننا وسكبت الشمس أشعتها في قلوبنا، صحينا وجهزت الفطور لبشرى، ثم أخذتها معي إلى المدرسة الواقعة في طريقي إلى مكتبي، وعند المساء عدت للمنزل برفقتها. صغيرتي بشرى رفرفت في سماء حياتي كالطائر وسكبت في وجودي عطر أنفاسها كالزهور، وتناجت على مسامعي كالعصفور، ولمحت في عينيها روعة توحي السكينة إلى قلبي، برؤية وجهها اضمحلت كل متاعبي، عندما تكلمت انبثقت من صوتها نغمة أعذب من همس الحياة وألطف من حفيف الأجنحة وأعمق من أنين الأمواج. عندما نادتني "بابا" اهتززت لسماعها اهتزاز الأغصان الناعمة لحفيف الهواء العليل. "بابا، بابا" كلمة ضربت أوتار قلبي وأحستني برقيق المعاني وبديع المشاعر، كلمة تخفي في طياتها كل شيء، كلمة بابا من شفتي ابنتي العزيزة هي حصيلة حياتي، سمعت فيها همس أوتار العود، وتنهيدات النأي، وخرير السواقي، وتسبيحات الطيور، وترنيمة الدفوف. إنها كانت أجمل أيام حياتي، تمنيت لو كان بوسعي لأوقفت الزمن لأستمتع بنشوة الحياة مع صغيرتي للأبد.

ــــــــــــــــــــــــ

السعادة والكآبة تتصارعان في القلب البشري، وفي نهاية المطاف تتغلب الكآبة على السعادة، وذلك بالضبط ما حصل لي، مرضت عزيزتي بشرى، أصيبت بالصداع ونزيف الأنف، وسبحت الحمى في جسدها سباحة السمكة في الماء، استشرت الطبيب، فأجرى بعض الفحص الطبي، ووصف لها بعض الأدوية، برئت قليلاً، ولكن الوعكة ما زالت سابحة في جسمها، نقلتها إلى أحد المستشفيات الراقية حيث خضعت لفحص طبي دقيق، نتائج الفحص أحدثت زلزالاً تحت قدمي وارتميت على الأرض كغصن قصفته العاصفة، عزيزتي بشرى نائمة بجانبي في المشفى وقد عاد وجهها الناضر كغصن أصفر في مهب ريح الخريف، وأنا غارق في تموجات الحزن العميق، والدمع السخين يتساقط من مقلتي كالمطر. آه! عزيزتي وقعت فريسة لسرطان الدم، لا تدوم حياتها طويلاً، وسيتوارى عن نظري تلك الروح القدسية التي كان مبعثاً للسعادة في حياتي.

أهكذا تمر بي الليالي؟ أهكذا يدوسني القدر بأقدامه؟ أليس بوسع الطب مع أحدث تقنياته وجميع ثوراته أن يهزم السرطان؟ هل السرطان أكثر تقدماً من الطب؟ إذا لم يكن كذلك، فلماذا لا يتفادى البشر من هجمات هذا المرض الشرس؟ آه! إن هذا الوحش الضاري سيمتص دماء عزيزتي ويقتات لحمها ويعتصر النضارة من وجهها الملكي.

لم أخبر عزيزتي عن مرضها، وبدأت أستغل كل لحظة لإسعادها، حاولت وباطلاً حاولت أن أكتم حزني من عزيزتي، ولكنها شعرت بمكامن حزني، وبدأت تخفف عن حزني بجميل قولها وبديع حديثها.

-بابا لماذا تحزن لهذا الحد؟ سيكون كل شيء على ما يرام.

-نعم عزيزتي، أتمنى ذلك

آه! يا لعجزي واستكانتي، ليتني تمكنت من إخبارها أنها في مخلب مرض سينقش وجودها على ورقة الفناء.

‘بماذا تفكر بابا؟’ تغردت بصوتها العذب، ثم أردفت قائلة:

-بابا، عندما أكبر، سأجلب لك كل السعادات، وسأهتم برعايتك مثلما تهتم أنت برعايتي.

يا له من مشاعر طاهرة! ليتها علمت، إنها لن تكبر ولن تدخل الكلية والجامعة وتستمتع بسعادة التخرج، وتحظى بكفالة نفسها وأبيها. وبينما أنا في مخيلتي فجأة قاطعتني سلسلة خيالي قائلةً:

-استمع إلي بابا، طموحي في الحياة أن أكون طبيبة لأساعد البشر على التخلص من الأمراض. أعجبني منظر تلك الطبيبة البارعة في المستشفى، أتمنى أن أكون مثلها.

-بالطبع عزيزتي، ستكونين طبيبة خارقة وتطهرين الأرض من الأمراض الفتاكة.

-بابا أنا أحبك كثيراً، أنت كل شيء في حياتي، أنت أمي وجدتي، وأنت أبي وخالي وعمي، أنت أجمل الآباء في العالم.

-أنت حياتي صغيرتي، كالشمس أشرقت وكالعصفورة غردت وكالربيع لونت حياتي برونق الزهور وبهرجة الأعشاب والحقول. أتمنى أن أسعد بوجودك للأبد عزيزتي.

وما زالت تتحدث معي حتى داعب النعاس أجفانها، وضممتها إلى صدري فأغمضت عينيها لاقتبال قبلة النوم. تحدثت معها بصوت تتموج نغماته بين طهر كلماتها وشدة الأحزان المستترة في قلبي. يا للأسى! عزيزتي بشرى التي هي في حضن الحياة اليوم، ستصبح غداً في قبضة الموت. لماذا خلق هذا الموت؟ فهل توجد قوة تتغلب عليه، ليتني امتلكت هذه القوة الخارقة، فأهزم السرطان لتحيا عزيزتي وتحقق كل أمانيها في الحياة. آه! إنه مستحيل استحالة إعادة سلمى إلى الحياة. سمعت أن في الماضي آمن بعض البشر أن سر الموت والحياة موجود في بعض المغارة في أسفل الأرض، ليتني علمت البوابة إلى أعماق تلك المغارة فسافرت إليها من أجل الحياة الأبدية لصغيرتي وإعادة زوجتي سلمى إلى الحياة.

وما زلت كذلك حتى انتصف الليل، حاولت سدىً أن أنام مع المآقي المكحولة بأشباح الكآبة. في جوف الليل الدامس استيقظت ابنتي بصراخ تفطر له قلبي، فإذا الدم ينساب من أنفها وفمها بشدة، فحملتها وأسرعت إلى سيارة الإسعاف بسرعة الكهرباء، وصرخت بأعلى صوتي وثيابي تقطر دماً، أنقذوا ابنتي، إنها على حافة الموت. لحقت عزيزتي بشرى بأمها سلمى قبل أن تصل سيارة الإسعاف إلى المشفى. انتحبت بصوت عال خارج من صميم كبدي، ولا زلت أبكي في تلك الليلة حتى نضبت مدامعي وأصبحت عيناي مقرحتين من شدة البكاء.

يا لهول المنظر، ويا لاختبار الحظ! كيف أتحمل لوعة الأسى عندما أواري جسد عزيزتي في التراب. يا لهف نفسي ليتني لم أولد! مع العبرات الغزيرة واريت ذاك النور السماوي تحت التراب الأرضي. كيف يحلو لي العيش بعد ابنتي! هيا أيها السرطان هيا، هزمت عزيزتي، فاهزمني أيضا، وأنشب أظفارك في وجودي، اقتربي مني وحلي قيود جسمي المتضعضع الذي تعبت من جره. ألا يا أيها الدهر القاسي، فتكت بزوجتي سلمي ولا زلت تتطاير في سماء حياتي كالنسر الجائع لتقضي على أغلى ما عندي، ألم يشبع سيفك بدماء سلمى، فشهرته ثانيا لتقتل عزيزتي؟ فها أنا ذا ماثل أمامك فاقتلني أيضاً.

آه! لقد فتحت لي الحياة باب سجنها وتظهر لي جدرانها المظلمة مثلما تظهر حنجرة الوحش الكاسر عندما يفتح فكيه متثائباً. بدأت كلمات سلمى تتردد في مسامعي. "الحزن عظيم فلا يدنو إلا من العظماء". سلمى وبشرى بلغتا ذروة العظمة بالموت الذي هو قمة الحزن. ها أنا أنتظر ذلك اليوم الذي أتربع فيه على عرش تلك العظمة وألتقي بالروحين العزيزتين اللتين فاقتا عليَّ في العظمة.

Post a comment:



© 2022 Qutoof Al-hind Journal