مَنْ جَدَّ وَجَدَ
بقلم: د. مجيب الرحمن[1]
"إِنَّ مُسْتَقْبَلَكُمْ بِأَيْدِيْكُمْ، اَلْقَرَارُ عِنْدَكُمْ، أَيَّ مُسْتَقْبَلٍ سَتَمْنَحُوْنَ لِأَوْلَادِكُمْ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ التَّحَدِّيَاتِ أَمَامَكُمْ هِيَ جَسِيْمَةٌ كَالْجِبَالِ، وَلٰكِنَّ الرجل الحقيقي هُوَ الذي يَشُقُّ الطَّرِيْقَ فِي الْجَبَلِ...لَا تُضَيِّعُوْا مُسْتَقْبَلَ أوْلَادِكُمْ...عَلِّمُوْهُمْ...وَسَوْفَ يَشُقُّوْنَ طَرِيْقَهُمْ إلٰى مُسْتَقْبَلٍ بَاهِرٍ لِلْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْوَطَنِ".
قَالهُ السَّيِّدُ أَنِيْلُ اَلْمُدِيْرُ الْإِدَارِيُّ لِلْمُقَاطَعَةِ، أَقْوَىٰ مُوَظَّفٍ حُكُوْمِيٍّ عَلٰى مُسْتَوَى الْمُقَاطَعَةِ، وَسَرَحَ بِهُ الْخَيَالُ إِلىٰ أَيَّامِ دِرَاسَتِهٖ فِيْ إِحْدَى الْجَامِعَاتِ الْهِنْدِيَّةِ الأَشْهَرِ في نيو دلهي- قَبْلَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ.
فَتَحَ أَنِيْلُ كِتَابَهُ لِيَقْرَأَ دَرْسَهُ الَّذِيْ عَلَّمَهُ أُسْتَاذُهُ الْبَارِحَةَ، وَلٰكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُرَكِّزَ عَلَى الْقِرَاءَةِ، فَقَدْ كَانَ ذِهْنُهُ شارداً وَقَلْبُهُ مُثقلًا بِالْهموْمِ مُنْذُ أَيَّامٍ قَلِيْلَةٍ، أَنِيْلُ طَالِبٌ مُجْتَهِدٌ، وَمِنْ أُسْرَةٍ فَقِيْرَةٍ فِيْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَىٰ مُقَاطَعَةِ بِيْغُوْسَرَايْ فِيْ وِلايَةِ بِيْهَارْ. وَالِدُهُ مُزَارِعٌ صَغِيْرٌ، يَمْلِكُ قِطَعاً صَغِيْرَة مِنَ الْأَرَاضِيْ، يَحْرُثُها وَيَزْرَعُ فِيها أَنْوَاعاً مِنَ الْمَحَاصِيْل مِثْلَ الذُّرَةِ، وَالْقَمْح، وَالَأَرُزّ، وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَالْعَدَسِ، وَيَعْمَلُ أَيْضاً أَجِيْراً عَلىٰ مَزَارِعِ كِبارِ فَلَّاحِي الْقَرْيَةِ كُلَّمَا تَبَقّٰى لهُ مِنَ الْوَقْتِ بَعْدَ الْاِشْتِغالِ عَلٰى مَزارِعِهٖ.
ومِثْلَ مُعْظَمِ صِغَارِ الفَلَّاحِينَ فِي الهِنْدِ فَقَدْ كَانَ يَسُدُّ رَمَقَ عَائِلَتِهِ بِعَائِدَاتِ الزِّرَاعَةِ الَّتِي لَم تَكُن لِتُسمِنَ وَلَا تُغنِيَ مِن جُوْعٍ. اَلحَيَاةُ لِلفُقَرَاءِ هِيَ عِبَارَةٌ عَن كِفَاحٍ مُستَمِرٍ لِلحُصُولِ عَلى لُقمَةِ العَيشِ وَسَترِ العَورَاتِ، أَمَّا الطُّمُوحُ إِلى عِيْشَةٍ فَارِهَةٍ فَلَا مَجَالَ لَهُ إِلا لِلأَثرِيَاءِ.
قَرَّرَ وَالِدَا أَنِيلَ مُنذُ أَن وُلِدَ أَنَّهُمَا لَنْ يَّدَّخِرَا وُسْعاً فِي تَعلِيمِ أَطْفَالِهِمَا مَهْمَا بَلَغَتْ بِهِمَا المَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ، فَلَن يُعَانِيَ الأَطفَالُ حَيَاةَ الفَقْرِ وَالْعَوَزِ كَمَا عَانَيَاهَا، وَأَنَّ مِن حَقِّ الأَولَادِ الحُصُولَ عَلَى حَيَاةٍ كَرِيْمَةٍ، وَمَا السَّبِيْلُ إِلَيْهَا إِلَّا مِنْ خِلَالِ التَّعْلِيْمِ، فَالتَّعْلِيْمُ هُوَ المِفْتَاحُ الَّذِيْ يُنِيْرُ الظَّلَامَ وَيُضِيْئُ الْعُقُوْلَ وَيَفْتَحُ أَمَامَ النَّاسِ أَبْوَابَ الْفُرَصِ لِدُخُوْلِ عَوَالِمَ وَمَجَالَاتٍ يُغْلِقُهَا الْجَهْلُ.
أنِيْلُ وَاحِدٌ مِنْ ثَلاثِ إخْوَةٍ وَأُخْتٍ، وَأَكْبَرُهُمْ جَمِيْعاً، أَدْخَلَهُ وَالِدُهُ فِيْ مَدْرَسَةِ الْقَرْيَةِ الْاِبْتِدَائِيَّةِ، وَعَلَى رَغْمِ ضَعْفِ الْمُسْتَوَى التَّعْلِيْمِيِّ فِيْهَا، تَخَرَّجَ مِنْهَا مُتَفَوِّقاً عَلَى زُمَلَائِهِ فِي الصَّفِّ، وَالْتَحَقَ بِالْمَدْرَسَةِ الثَّانَوِيَّةِ فِي الْمَدِيْنَةِ، ثُمَّ جَلَسَ فِي الْاِمْتِحَانِ التَّنَافُسِيِّ لِلْقَبُوْلِ فِي الْبَكَالُوْرِيُوْسِ فِي اللُّغَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ بِجَامِعَةِ جَوَاهَرْ لَالْ نِهْرُوْ، وَكَانَ مِنَ الْمُوَفَّقِيْنَ، وَكَانَ هَذَا النَّجَاحُ بَاعِثَ فَرَحٍ كَبِيْرٍ لِوَالِدَيْهِ، بَلْ وَلِكُلِّ أَهَالِي الْقَرْيَةِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْقَرْيَةِ لِلْحُصُوْلِ عَلَى التَّعْلِيْمِ الْعَالِيْ فِيْ إِحْدَى الْجَامِعَاتِ الْهِنْدِيَّةِ الأشْهَرَ.
وَمَضَتْ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ فِيْ رِحَابِ الْجَامِعَةِ، هَذِهِ الْجَامِعَةُ الَّتِيْ اِمْتَازَتْ بِحَرَمٍ طَبِيْعِيٍّ جَمِيْلٍ، وَسَطَ الْغَابَاتِ الْكَثِيْفَةِ الَّتِيْ تَسْكُنُهَا حَيَوَانَاتٌ وحشية كَثِيْرَةٌ كَالثَّعْلَبِ، وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالنِّيْصِ، وَأَلْوَانٌ مُلَوَّنَةٌ مِنْ أَزْهَارِ الْبُوْغِيْنفِيْلَا، وَأَمَلْتَاسْ عَلى طَرَفَيِ الشَّوَارِعِ، وَمَبَانِيْ بِالطُّوْبِ الْأَحْمَرِ، وَثَقَافَةٌ عِلْمِيَّةٌ رَائِعَةٌ وَمُبْهِرَةٌ، تَجْذِبُ الطُّلابَ وَالطَّالِبَاتِ إِلَيْهَا مِنْ أَنْحَاءِ الْهِنْدِ، وَتَرْكِيْبَةُ الطَّلَبَةِ وَالطَّالِباتِ هِيَ الْأُخْرَى تُقَدِّمُ تَشْكِيْلَةً رَائِعَةً مِنَ التَّعَدُّدِيَاتِ الْهَائِلَةِ الَّتِيْ تَزْخُرُ بِهَا الْهِنْدُ وَتَمْنَحُهَا الْقُوَّةَ أَيْ قُوَّةَ الْوَحْدَةِ فِي التَّعَدُّدِيَّةِ.
وَجَدَ أَنِيْلُ نَفْسَهُ مَحْظُوْظاً وَسَعِيْداً بِأَنْ يَنْتَمِيَ إِلَيْهَا، وَلَكِنَّهُ لا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَغْفُلَ لَحْظَةً عَنْ مُعاناةِ وَالِدَيْهِ وَمَدَى الْمَشَقَّةِ الْكَبِيْرَةِ الَّتِيْ يُواجِهُهَا والدُهُ فِيْ تَعْلِيْمِهِ، وَهُوَ لَيْسَ وَحِيْداً، فَإِخْوَتُهُ الصِّغارُ وَأُخْتُهُ كُلُّهُمْ يَذْهَبُوْنَ لِلْمَدْرَسَةِ، وَلا يُعِيْنُ أَحَدُهُمْ والِدَهُمْ فِيْ عَمَلِ الزِّراعَةِ الَّتِيْ عائِدُها قَلِيْلٌ، وَلا يَمْلِكُ وَسائِلَ يُسَدِّدُ بِها نَفَقَاتِ تَعْلِيْمِ أَوْلَادِهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْعَائِدِ الزِّرَاعِيِّ الضَّئِيْلِ، ثُمَّ اضْطُرَّ وَالِدُهُ إِلَى أَنْ يَبِيْعَ أَرَاضِيَهُ قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ، لِأَنَّ الْمَصْرُوْفَاتِ اِزْدَادَتْ، وَلَمْ تَعُدْ عَائِدَاتُ الْمَحْصُوْلِ الزِّرَاعِيِّ تَكْفِيْ لِتَسُدَّ نَفَقَاتِ تَعْلِيْمِ أَوْلَادِهِ.
"مَا بِكَ يَا أَنِيْلُ، لِماذا أَنْتَ مَهْمُوْمٌ مُنْذُ أَيّامٍ؟" سَأَلَهُ زَمِيْلُهُ فِي الْغُرْفَةِ جَمِيْلْ أَحْمَدُ الَّذِيْ هُوَ الْآخَرُ مِنْ وِلَايَةِ بِيْهَار، هُوَ جَمِيْلٌ وَوَسِيْمٌ، وَغَيْرُ مُهْتَمٍّ بِالدِّرَاسَةِ كَثِيْراً، وَهُوَ مِنْ أُسْرَةٍ غَنِيَّةٍ، فَقَدْ كَانَ أَبُوْهُ مَنْ كِبَارِ التُّجّارِ.
"لَا شَيْءَ، دَعْنِيْ وَشَأْنِيْ"، أَجابَ أَنِيْلُ.
"كَيْفَ أَتْرُكُكَ وَشَأْنَكَ، فَأَنْتَ صَدِيْقِيْ وَزَمِيْلِيْ فِي الْغُرْفَةِ"، مِنْ وَاجِبِيْ أَنْ أَعْتَنِيَ بِكَ، وَأُحَاوِلَ أَنْ أَحُلَّ مُشْكِلَتَكَ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ، أُشَارِكَكَ هَمَّكَ".
فَقالَ أَنِيْلُ "أَشْكُرُكَ صَدِيْقِيْ عَلَى اِهْتِمَامِكَ بِأَمْرِيْ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ شَخْصِيٌّ، وَلَا أُشَارِكُهُ أَحَداً".
"طَيِّبٌ، إِذَنْ لَا أُجْبِرُكَ عَلَى هَذَا، سَهَّلَ اللهُ أَمْرَكَ، وَأَفْرَجَ عَنْكَ هُمُوْمَكَ، وَكُرُوْبَكَ، وَحَلَّ مُشْكِلَاتِكَ، وَسَتَجِدُنِيْ دَائِماً فِيْ عَوْنِكَ صَدِيْقِيْ الْغَالِيْ اَلْحَبِيْبَ".
"شُكْراً لَكَ، صَدِيْقِيْ"، عَلَّقَ أَنِيْلُ.
ما أَرَّقَ بَالَ أَنِيْلَ هُوَ اِطِّلَاعُهُ عَلَى مَرَضِ وَالِدِهِ مُنْذُ أَيَّامٍ، وَعَدَمِ تعافيه من المرض على رَغْمَ الْاِسْتِشْفَاءِ لَدَى طَبِيْبِ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ مَرَضُهُ يَشْتَدُّ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ، اَلْحُمَّى الشَّدِيْدَةُ، وَالْإسْهَالُ، وَالْوَجْعُ فِي الْبَدَنِ، أَضِفْ إلَى ذَلِكَ نَقْصَ الْمُؤْنِ فِي الْبَيْتِ بِسَبَبِ عُطْلِهِ عَنِ الْعَمَلِ، وَعَدَمِ التَّوَافُرِ عَلَى الْعِلَاجِ الْمُنَاسِبِ فِي الْمَدِيْنَةِ جراء الضِّيْقِ الْمَالِيِّ.
كَانَتْ هُمُوْمٌ وَأَفْكَارٌ كَثِيْرَةٌ تهاجمُ رَأْسِهِ، مَاذَا يَفْعَلُ، أَيَتْرُكُ الدِّرَاسَةَ، وَيَذْهَبُ لِلْبَيْتِ لِيَكُوْنَ بِجَنْبِ وَالِدِهِ الْمَرِيْضِ الَّذِيْ ضَحَّى بِالْغَالِيْ وَالنَّفِيْسِ لِأَجَلِ أَوْلَادِهِ؟ مَا فَائِدَةُ هَذَا التَّعْلِيْمِ الَّذِيْ لَا يَسْتَطَيْعُ أَنْ يؤمّن سَبِيْلاً لعلاج وَالِدِهِ الْمَرِيْضِ أَحَبّ إِنْسَانٍ إلَيْهِ فِيْ الْحَيَاةِ؟ أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ، يُمْكِنُهُ أَنْ يعمل عملاً جُزْئي الدَّوَامِ لِيَكْسِبَ مِنْهُ بَعْضَ النُّقُوْدِ وَيُرْسِلَها لِعِلَاجِ وَالِدِهِ؟ وَاتَّصَلَ بِوَالِدَتِهِ عَلَى جَوَّالِ أَحَدِ أَفْرَادِ الْقَرْيَةِ لِيَسْتَأْذِنَهَا لِيَأْتِيَ إِلَى الْبَيْتِ لِعِيَادَةِ وَالِدِهِ، فَأَجَازَتْهُ، فَحَجَزَ أَنِيْلُ تَذْكِرَةَ السَّفَرِ بِالْقِطَارِ فِيْ نِهَايَةِ الْأُسْبُوْعِ بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثَ إِلَى أَسَاتِذَتِهِ لِيَسْتَأْذِنَهُمْ لِلسَّفَرِ، وَأَدْرَكَ أَحَدُ أَسَاتِذَتِهِ الْعَطُوْفِيْنَ الهم البادي على وجهه وأيضاً تشتت ذِهْنِهِ وَفِكْرِه، فَسَأَلَهُ عَنْ حَقِيْقَةِ الْأَمْرِ، فَبَاحَ أَنِيْلُ بِسِرِّهِ إِلَى الْأُسْتَاذِ الَّذِيْ أَعْطَاهُ مَبْلَغاً مِنَ الْمَالِ لِعِلَاجِ وَالِدِهِ قَائِلاً لَهُ: خُذْ هَذَا مِنِّيْ كَأَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ وَالِدِكَ، فَالْمُعَلِّمُ هُوَ الْأَبُ الرُّوْحِيُّ، وَأَنْتَ أَعَزُّ إِلَيَّ مِثْلَ وَلَدِيْ. وَلَمْ يَسَعْ أَنِيْلَ أَنْ يَرْفَضَ ذَلِكَ، فَقَبِلَهُ بِامْتِنَانٍ، وَاتَّجَهَ إِلَى بَيْتِهِ بَقَلْبٍ عَامِرٍ بِالشُّكْرِ لِأُسْتَاذِهِ وَمُتَوَتِّرٍ وَخَافِقٍ عَلَى حَالَةِ وَالِدِهِ، وَبَكَتْ أُمُّهُ بِحُرْقَةٍ عَلَى رُؤْيَةِ فِلْذَةِ كَبِدِهَا، فَسَلَّاهَا وَطَمْأَنَهَا، وَفِي الْيَوْمِ التَّالِيْ لِوُصُوْلِهِ لِلْبَيْتِ، أَخَذَ وَالِدَهُ إِلَى طَبِيْبٍ مَاهِرٍ فِي الْمَدِيْنَةِ الَّذِيْ قَامَ بِفَحْصِهُ وَكَتَبَ لَهُ بَعْضَ الْفُحُوْصَاتِ اللَّازِمَةِ، وَكَشَفَ تَقْرِيْرَ الْفُحُوْصَاتِ عَنْ إِصَابَتِهِ بِمَرَضِ السِّلِّ، وَبَعْدَ أَنْ وَصَفَ الطَّبِيْبُ الْأَدْوِيَةَ اللَّازِمَةَ نَصَحَ أَنِيْلَ بِأَنَّ وَالِدَهُ يَحْتَاجُ إِلَى اِسْتِرَاحَةٍ لِمُدَّةِ شُهُوْرٍ حَتَّى يُشْفَى كَامِلاً مِنْ هَذَا الْمَرَضِ الْخَطِيْرِ.
مَضَى أُسْبُوْعَانِ لَهُ فِي الْقَرْيَةِ، وَأَخَذَ أَنِيْلُ يَقْلِقُ عَلَى تَفْوِيْتِهِ لِلْفُصُوْلِ الدِّرَاسِيَّةِ، وَقَرَّرَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى سَرِيْرِهِ فِيْ فِنَاءِ دَارِهِ نَاظِراً إِلَى السَّمَاءِ الْمُرَصَّعَةِ بِالنُّجُوْمِ:
"كائِناً مَا كانَ، سَوْفَ أُكْمِلُ دِرَاسَتِيْ، وَسَوْفَ أُعِيْلُ أُسْرَتِيْ أَثْنَاءَ الدِّرَاسَةِ إِلَى أَنْ يُشْفَىْ وَالِدِيْ، أَنَا الْأَكْبَرُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ، وَأَنَا الْمَسْؤُوْلُ عَنِ الْعِنَايَةِ بِهِمْ.... وَسَوْفَ أَنْتَشِلُهُمْ مِنَ حياة الْعَوْزِ وَالْفَقْرِ".
وَبَدَأَ أَنِيْلُ يَبْذُلُ جُهْداً أَكْبَرَ فِي الدِّرَاسَةِ، وَسَاعَدَهُ أَسَتَاذُهُ فِي الْحُصُوْلِ عَلَى وَظِيْفَةِ تَعْلِيْمِ أَوْلَادِ بَعْضِ الْأَسَاتِذَةِ مَادَّةَ الْحِسَابِ الَّتِيْ كَانَ مَاهِراً فِيْهَا، وَكَفَاهُ الْمَبْلَغُ الْعَائِدُ مِنْهُ لِسَدَادِ مَصْرُوْفَاتِهِ وَإِرْسَالِ بَعْضٍ مِنْهَا إِلَى بَيْتِهِ.
وَتَفَوَّقَ أَنِيْلُ عَلَى زُمَلَائِهِ فِي الْاِمْتِحَانِ النِّهائِيِّ لِلْبَكَالُوْرِيُوْسِ، وَكَانَ بِوُسْعِهِ الْآنَ أَنْ يَلْتَحِقَ بِعَمَلٍ فِيْ شَرِكَةٍ كَبِيْرَةٍ تَدُرُّ عِلَيْهِ رَاتِباً شَهْرِيّاً جَيّداً، وَلَكِنَّ أُسْتِاذَهُ نَصَحَهُ بِأَنْ يَطْمَحَ إِلَى شَيْءٍ أَعْلَى مِنْهُ، فَهُوَ قَرَارٌ سَيُقَرِّرُ مَسِيْرَةَ حَيَاتِهِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ.
وَبَعْدَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، ظَهَرَتْ نَتَائِجُ اِمْتِحَانِ هَيْئَةِ الْخِدْمِاتِ الْإِدَارِيَّةِ الْهِنْدِيَّةِ، وَكَانَ أَنِيْلُ مِمَّنْ تَصَدَّرُوْا قَائِمَةَ الْفَائِزِيْنَ، وَقَرَّرَ فِيْ نَفْسِهِ أَنَّهُ سَوْفَ يَعْمَلُ مَا بِوُسْعِهِ لِلنُّهُوْضِ بِمُسْتَوَى المُهَمَّشِيْنَ فِي الْمُجْتَمَعِ بَوصْفِهِ إِدَارِيّاً رَفِيْعَ الْمُسْتَوَى يَمْلِكُ نُفُوْذاً كَبِيْراً وَصَلَاحِيَّاتٍ وَاسِعَةٍ.
[1] بروفيسور في مركز الدراسات العربية والأفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، ورئيس تحرير مجلة هلال الهند الإلكترونية الفصلية المحكمة.
مقالة رائعة متوفرة بكثرة التشجيع و الإلهام لكل طالب و طالبة و لا سيما هذه المقالة مفيدة جداً للذين ينتمون إلى الأسر ذات الطبقة الوسطى و الدنيا المنخفضة لتوفير القوة الحيوية و الجرأة والشجاعة لمواصلة الدراسة بالاستمرار......بارك الله فيك و قلمك السيال المبدع
مقال جميل أحزنتني بدايته وضاعفت فرحتي نهايته، بارك الله في قلمك السيال.
شكرا على مرورك وحسن تعقليقك.