حكاية شعبية بنغالية *
ترجمة وإعادة الصياغة: د. معراج أحمد معراج الندوي**
------------------------------------------
كان هناك تاجر في قديم الزمان، وكانت له سبع بنات، ذات يومٍ، سأل التاجر بناته السؤال التالي: "مِن حظ مَن أنتن تحصلن على أرزاقكن؟" أجابت الكبرى: "أبتاه، أنا أكسب رزقي بفضل حظك.." وتكررت الإجابة ذاتها من البنت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة. أما السابعة وهي الصغرى فأجابت: "أنا أحصل على قوتي بفضل حظي أنا".
غضب التاجر من إجابة ابنته الصغرى غضبا شديداً، وقال لها: "ما دمت جاحدة، إذ قلت إنك تكسبين رزقك بحظك أنت.. فأريد أن أرى ما الذي ستفعلينه بوحدك. عليك أن تغادري منزلي فوراً من دون أن تأخذي معك روبية ولا بيسة".
دعا التاجر بعض خدمه وأمرهم بأن يأخذوها ويتركوها وحيدة في الغابة الكثيفة. توسلت البنت بإلحاح أن يسمحوا لها بأن تأخذ معها صندوق شغلها الذي يحتوي على إبرة وخيوط، فسمح لها بذلك. عندئذ ركبت المحفة وحملها الحمالون على أكتافهم وساروا نحو الغابة. ورأت عجوز هذا المنظر فقالت لهم: "توقفوا...! توقفوا...!" والمرأة هي مربية البنت الصغرى للتاجر، اقتربت منهم ونظرت إلى المحفة، وقالت لهم: "إلى أين تأخذون ابنتي؟".
ردّ الحمالون: "أمرنا التاجر بأن نأخذها إلى وسط الغابة ونتركها وحيدة هناك ونحن ننفذ أمره".
قالت العجوز:" لا بد لي أن أذهب معها".
و"كيف يمكنكِ أيتها العجوز أن تلحقي بنا ونحن نسرع في خطانا".
أصرّت العجوز وقالت: "لا بد أن أذهب مع ابنتي على كل حالٍ".
توسّلت العجوز إلى الفتاة التي رضيت بأن تأخذ العجوز معها في المحفة، وعند الظهيرة وصل الحمّالون إلى غابة كثيفة، وتوغلوا في أعماقها، وعند الغسق وضعوا الفتاة والعجوز تحت شجرة ضخمة وعادوا من حيث أتوا.
نشأت ابنة التاجر في ظل الترف والنعيم منذ أربعة عشر عاماً، وها هي الآن هنا عند غروب الشمس في قلب غابة كثيفة مترامية الأطراف، لا تملك روبية واحدة، وليس لها أنيس ولا جليس إلا تلك العجوز الواهنة في هذه الغابة الواسعة المترامية الأطراف، حتى أن أشجار الغابة نظرت لها بإشفاق وترحم، وامتزجت دموع الشجرة الباسقة، التي وُضعت السيدتان تحتها، بدموع العجوز وهي تقول لها: "يا للفتاة التعيسة.. كم أشعر بالإشفاق عليك، وقريبا ستخرج الحيوانات الوحشية من أوكارها وتشرع في التجول باحثة عن فرائسها، وبالـتأكيد ستلتهمك أنت ورفيقتك. لكنني أستطيع أن أساعدكما، سوف أصنع لكما فتحة في جذعي، وعندما تريان الفتحة، ادخلاها، وسأغلقها فور دخولكما، وستكونان بأمان وسلامة، ولن تستطيع الحيوانات أن تمسّكما".
وفي الحال انشقّ الجذع لتظهر منه فتحة، فدخلت الفتاة والعجوز الفتحة وعادت الشجرة إلى وضعها السابق. ولما حلّ الظلام، خرجت الحيوانات الوحشية من مخابئها، كان النمر المفترس هناك والدب الشرس ووحيد القرن ذو الجلد الغليظ والدب الأشعث أيضاً، والفيل العملاق، والجواميس المقرنة، كل هذه الحيوانات أخذت تتجول حول الشجرة وتصدر أصواتها المرعبة لأنها قد شمت رائحة الدم البشري.
سمعت الفتاة والعجوز دمدمة الحيوانات وهما بالداخل، أخذت الحيوانات تخبط أجسامها بالشجرة، وتسلقها بعضها فتكسرت بعض فروعها، كما كانت الحيوانات تحاول أن تغرز قرونها في جذعها، وتخمش بأظافرها لحائها، لكن ذلك كله لم يُجدها نفعاً، وبقيت الفتاة والعجوز بأمان وسلامة.
وعند الفجر تفرقت الحيوانات، ولما طلعت الشمس، قالت الشجرة الطيبة: "أيتها الفتاة، لقد غادرت الحيوانات الوحشية إلى أوكارها بعد أن آذتني إيذاء شديداً، لقد أشرقت الشمس وتستطيعان الآن أن تخرجا". قالت الشجرة هذا وانفلقت، فخرجت الفتاة والعجوز، وشاهدت ما عبثت به الحيوانات بالشجرة وما حولها، كان الكثير من فروعها قد تكسر، وكان الجذع قد طعن في أكثر من موضع وتقشّر اللحاء وخدش في مواضع عدة.
قالت الفتاة للشجرة: "أيتها الأم الطيبة! لقد كان عطفا منك أن منحتنا المأوى وتعرضتِ أنتِ لكل هذا الأذى، ولا بد من أنك تتألمين كثيرا بسبب ما أصابك من الحيوانات الشرسة من أذىً ليلة أمس".
قالت الفتاة ذلك وذهبت إلى البركة الواقعة بالقرب من الشجرة وأحضرت منها كمية من الطين وأخذت تضمّد بها جراح اللحاء والندوب التي أحدثتها القرون. وبعد أن فعلت ذلك، قالت لها الشجرة: " شكرا لك يا ابنتي.. لقد شفيتُ الآن وذهبت آلامي وأوجاعي، ولكن قلقي عليكما أكثر من قلقي على نفسي، لا بد أنكما جائعتان، إذ لم تأكلا شيئا منذ البارحة. وما الذي أستطيع أن أقدمه لكما؟ ليس لديّ ثمرة لأمنحكما، اعطي العجوز أي مال تملكينه لتذهب به إلى المدينة القريبة وتشتري بعضاً من الطعام".
قالت الفتاة: "ليست لدي أية نقود". وبدأت تبحث في صندوقها فوجدت خمسة أصداف يمكن أن تُستخدم محل النقد.. طلبت الشجرة حينها من العجوز أن تذهب إلى المدينة وتشتري قليلا من العصيدة. ذهبت العجوز إلى المدينة وقالت لصاحب المطعم:" أعطني لو سمحت قليلا من العصيدة نظير خمسة أصداف هذه".
ضحك صاحب المطعم وقال لها: "هل تظنين أنك بخمسة أصداف تستطيعين أن تشتري العصيدة؟".
ذهبت العجوز إلى مطعم آخر، وظن صاحب المطعم أن العجوز لا بد أنها في حالة بائسة، فأشفق عليها وأعطاها كمية كبيرة من العصيدة مقابل الأصداف الخمسة.
حين عادت العجوز إلى الغابة ومعها العصيدة، قالت الشجرة للفتاة: "فلتأكل كل واحدة منكما قليلا منها، ثم احتفظا بما يزيد على النصف، وانثرا الباقي على حواف البركة كلها". فعلت الفتاة كما نصحتها الشجرة، مع أنها لم تدرك سبب طلب الشجرة نثر العصيدة على حواف البركة.
ولما جُنّ الليل، دخلت الفتاة والعجوز إلى فتحة جذع الشجرة كما فعلتاه البارحة، أقبلت الحيوانات المفترسة كما فعلت من قبل، وراحت تطوق الشجرة وتهاجمها بشراسة كما فعلت في الليلة السابقة، وفي أثناء الليل وقع حادثٌ غريب على حواف البركة حيث رأت الفتاة والعجوز النتيجة صباح اليوم التالي. أقبلت إلى البركة مئات من الطواويس ذات الريش الباذخة لتلتقط عصيدة الأرز التي نثرتها الفتاة والعجوز، وفي أثناء مجاهدتها لالتقاط حبات الرز سقط الكثير من ريشها على الأرض. وفي الصباح الباكر، نصحت الشجرة السيدتين بجمع الريش معا، ومنها صنعت الفتاة مروحة جميلة.
أُخذت العجوز المروحة إلى المدينة ومنها وصلت إلى القصر حيث أعجب بها ابن الملك أشد الإعجاب ودفع لقاءها مالاً كثيراً.
وفي كل صباح، كان يُجمع الكثير من الريش، وتُصنع منها مروحة وتُباع كل يوم، ولم يمض وقت طويل حتى صارت السيدتان ثريتين، عندئذ نصحتهما الشجرة الطيبة بأن توظفا رجلا ليبني لهما بيتا تسكنان فيه، فقُطعت الأشجار لعوارض السقف وروافده وجُهزت التجهيزات الأخرى وصُنع الطوب بخبز الطين، وخلال أشهر بُنيت دار فخمة أشبه بالقصر لابنة التاجر ومربيتها العجوز، ورأيا أن من الأفضل أن تُمَهّدَ الأرضُ المحيطة بالدار وتُصْنَعَ حديقة وتُحفر بركة للمياه حول القصر.
في هذه الأثناء قطبت إلهة الثروة في وجه التاجر وزوجته وبناته الست، إذ بدّد التاجر كل ثرواته وتراكمت عليه الديون، وبيع منزله وأملاكه لتسديد الديون، واستحال هو وزوجته وبناته إلى معدمين لا يملكون شيئا من المال. وأخذوا يعيشون في قرية قريبة من المكان الذي بنت فيه السيدتان، ابنة الأمير والعجوز، قصرا فخما يجري حوله عمل حفر البركة.
وتمنى التاجر، الذي كان من الأثرياء قبل أيامٍ، أن يجد عملا في مشروع حفر البركة لدى المرأتين الغريبتين في طرف الغابة. قالت الزوجة إنها هي أيضا ستشارك معه في عمل الحفر، وهكذا، وإذ كانت السيدة الغريبة تتفرج من نافذة قصرها على العمال المشتغلين في حفر بركتها، دُهشت أيما دهشة حين رأت أباها وأمها قادمين نحو القصر ربما باحثين عن العمل، فانهمرت الدموع من عينيها لما رأتهما يرتديان أثوابا بالية مهترئة، فأرسلت الخدم في الحال لإحضارهما إلى داخل القصر.
خاف الرجل والمرأة البائسان خوفا شديدا، ووجدا أن البركة صارت جاهزة، وحيث جرت العادة في تلك الأيام أن يقدم قربان بشري عند انتهاء الحفر، فقد ظنا أنهما استدعيا لهذا الغرض، واشتد خوفهما عندما طلب منهما أن ينزعا ثيابهما المهترئة ويرتديا ثياباً جديدة. لكن سيدة القصر الغريبة بددت مخاوفهما قائلة إنها ابنتهما وعانقتهما باكية، حكت الابنة قصة مغامرتها، فأدرك الأب أنها كانت على صواب حين قالت إنها تكسب رزقها بحظها هي وليس بحظ أبيها. ومنحت أباها قدرا كبيرا من المال مكّنه من الذهاب إلى المدينة التي عاش فيها من قبل، ومزاولة التجارة من جديد.
قرر التاجر أن يذهب بسفينته إلى بلاد بعيدة للتجارة، صعد التاجر إلى متن السفينة، غير أن السفينة لم تتحرك من مكانها، واحتار التاجر ولم يدر ماذا يفعل.. وأخيرا تذكر أنه سأل بناته الست اللاتي كن يعشن معه كلا على حدة، ما الشيء الذي ترغب في أن يحضره لها، لكنه لم يسأل السؤال نفسه ابنته السابعة التي أعادت له الحياة وأحالته ثريا من جديد، فأرسل في الحال رسولا إلى أصغر بناته يسألها ماذا ترغب بأن يجلب لها معه حين عودته من رحلته التجارية.
عندما وصل الرسول، كانت هي مشغولة في أداء الصلوات، ولما سمعت أن رسولا جاء من أبيها، قالت له: "صوبور".. يعني "انتظر".. في اللغة البنغالية، ممكن أن يكون أصل الكلمة عربيا أي "صبرا".
ظن الرسول أنها تريد من أبيها أن يأتي لها بشيء يُدعى "صوبور"، فعاد إلى التاجر وأخبره أنها تريد منه أن يحضر لها "صوبور". تحركت السفينة حالاً، وباشر التاجر رحلاته، متوقفاً في موانئ كثيرة، وكسب ثروات طائلة من بيع بضائعه، وقد ظفر بالأشياء التي طلبتها بناته الست بسهولة، أما "صوبور" هو الشيء الذي ظنّ أن ابنته السابعة طلبته، فلم يستطع الحصول عليه في أي مكان، سأل التجار عند الموانئ عن ذلك الشيء ولكنهم قالوا إنهم لم يسمعوا بشيء كهذا في عالم التجارة. وفي آخر مرفأ، راح يتجول في الشوارع صائحا: "المطلوب صوبور، المطلوب صوبور!".
لفتت النداءات انتباه ابن ملك تلك البلاد الذي كان اسمه "صوبور"، سمع الأمير من التاجر أن ابنته طلبت "صوبور" فقال إن لديه ذلك الشيء المطلوب، وأحضر صندوقا خشبيا صغيرا، فيه مروحة سحرية وعليها مرآة، وقال له: "هذا هو صوبور الذي أرادته ابنتك".
وجد التاجر بغيته التي بحث عنها كثيراً، وفك مرساة السفينة وأبحر إلى موطنه، وعند وصوله المنزل، أرسل إلى ابنته الصغرى ذلك الصندوق البديع، وهي لا تدري ماذا تفعل، رأت أن تسلّي نفسها بفتح الصندوق الذي أهداه أبوها لها، ولما فتحت ابنة التاجر الصندوق، وجدت فيها مروحة جميلة، وفي المروحة مرآة، هزّت المروحة، فظهر في الحال الأمير "صوبور" أمامها، وقال لها: "أنت ناديتني.. فها أنا هنا.. ما الذي تبغينه؟".
دهشت ابنة التاجر من هذا الظهور المباغت لأمير بهذه الوسامة الرائعة، فسألته من هو، وكيف ظهر هنا.. أخبرها الأمير بالظروف التي جعلته يسلّم الصندوق لأبيها، ثم أخبرها بالسر الذي يجعله يظهر كلما هُزت المروحة، قضى الأمير يومين في منزل ابنة التاجر التي ضيفته وأكرمت مثواه.
تولّد الحب بينهما ونمى وقررا بأن يرتبطا بسلك الزواج، وعاد الأمير إلى قصر أبيه وأخبره أنه اختار لنفسه زوجة، ورضي الملك والد الأمير، وحُدد يوم الزفاف، دُعي التاجرُ وزوجتُه وبناتُه الست، وعُقد القران، لكن المأساة وقعت على سرير الزفاف، فقد حسدت بنات التاجر الست أختهن الصغرى لما نالته من حظ سعيد، فقررن أن يقضين على حياة زوجها الجديد، كسرن عدة زجاجات وحولن قطع الزجاج إلى مسحوق دقيق ثم نثرنه على الفراش، لم يشك الأمير في وجود أي خطر، فاضطجع على السرير، لكنه سرعان ما شعر بألم حاد في جسمه كله لأن مسحوق الزجاج تسرب إلى جسمه من مسام جلده، ولما صار لا يقر له قرار ولا يهدأ له بالٌ بسبب الألم وأخذ يرتعش من شدة الألم ويصرخ بصوت عال، أخذه خدمه وحراسه بسرعة إلى موطنه.
استشار الملك، والد الأمير "صوبور"، كل الأطباء، وكان الأمير يصرخ ليلاً ونهاراً من شدة الألم، ولم يستطع أحد أن يكتشف المرض فكيف به أن يُشفى، لا يمكن أن يتخيل المرء مبلغ حزن ابنة التاجر، فما إن عُقد القران حتى هوجم بمرض خطير حمله بعيدا عنها مئات الأميال.
لم تكن ابنة التاجر تعرف بلاد زوجها، لكنها قررت أن تلحق به لكي تعتني به، لبست زي ناسك وتسلحت بخنجر وارتحلت، وما قطعت شوطا طريقا حتى شعرت بالتعب وجلست تحت جذع شجرة لتستريح، وعلى قمة تلك الشجرة، كان هناك عش للطائرين المقدسين، "بهانجاما" و"بهانجامي". ما كانا موجودين في عشهما في ذلك الحين، ولكن طفلَيهما كانا موجودَين في العش. صرخ الطائران الصغيران فجأة صرخة أيقظت ابنة التاجر المنهكة التي رأت حولها أفعى ضخمة ترفع رأسها وتفرد قلنسوتها وتوشك أن تتسلق الشجرة، وفي الحال قتلت الأفعى. هدأ صراخ الطائرين، ووصل الطائران " بهانجاما" و"بهانجامي". ولما وصلا إلى عشهما، أخبر الطفلان أبويهما كيف قتل الناسك الشاب المستريح تحت الشجرة الأفعى، قالت "بهانجامي" لزوجها: "لقد أنقذ الناسك الشاب طفلَينا من الموت، فلا بد أن نقدم له خدمة مكافأة لعمله الطيب". ردها "بهانجاما": "سوف نقدم لها على الفور خدمة، واعلمي أن الشخص الراقد تحت الشجرة ليس رجلا، بل هي امرأة. لقد تزوجت بالأمس فقط من الأمير صوبور الذي بعد ساعات فقط من ذهابه للسرير، تسربت إلى مسام جلده مواد دقيقة من الزجاج المسحوق الذي نشرته أخواتها الحسودات على فراشه. وقد أشرف على الموت في موطنه، وعروسه هي المرتدية ثوب الناسك ذاهبة إليه لتقوم بتمريضه.
سألت "بهانجامي": "لكن ألا يوجد علاج لمرض الأمير؟".
رد بهانجاما": "بلى، يوجد، لو أن روثنا الملقى على الأرض هنا وهناك، والذي صار صلبا، اُخذ وسُحق حتى يصير طحيناً، ثم وُضع على جسده بواسطة الفرشاة بعد الاستحمام سبع مرات مع سبعة دوارق ماء، وسبعة دوارق حليب، فإن الأمير سيشفى من دون ريب".
قالت: "بهانجامي": "لكن كيف يمكن لابنة التاجر المسكينة أن تقطع كل تلك المسافة الطويلة راجلة؟ لا بد أن السفر يستغرق أياما طويلة يكون الأمير المسكين خلالها قد مات". قال "بهانجامي": "سأحمل الفتاة على ظهري إلى مدينة الأمير وأرجع بها شريطة ألا تأخذ معها أي هدايا من هناك".
سمعت ابنة التاجر الحديث بين الطائرين، والتمست من "بهانجامي" أن تأخذها على ظهرها، فوافقت، وقبل أن تصعد إلى عربتها الفضائية جمعت كمية من روث الطور الصلب وسحقته جيدا وركبت على ظهر الطائر العطوف، طائرة في الفضاء بسرعة البرق، وسرعان ما وصلت إلى المدينة التي يقيم فيها الأمير "صوبور".
ذهب الناسك الشاب إلى بوابة القصر، وقال للملك أنه يعرف علاجا ناجعاً يشفي الأمير في ساعات قليلة، نظر الملك إلى الناسك دون حماس، حيث سبق أن استعان بأفضل أطباء المملكة بلا جدوى، لكنه سمح له بأن يجرب وصفته بناء على نصيحة مستشاريه.
طلب الناسك إحضار سبعة دوارق من الماء وسبعة دوارق من الحليب، سكب محتوى الدوارق كلها على جسد الأمير، وبعد ذلك أخذ يضع على جسمه المسحوق مستخدما ريشة حتى غطى كل مسام جلده، ثم صُبت مرة ثانية سبعة دوارق من الماء وسبعة دوارق من الحليب، وهكذا تكرر الأمر سبع مرات. ولما نظف جسد الأمير شفي شفاء كاملا.
أمر الملك بأن تقدم أثمن كنوزه هدية لهذا الطبيب الحاذق، لكن الناسك رفض أن يقبل شيئاً، وطلب فقط خاتما من إصبع الأمير ليحتفظ به كذكرى، أعطى الأمير الخاتم عن طيب خاطره. وعادت ابنة التاجر مسرعة إلى شاطئ البحر حيث كان ينتظر لها الطائر "بهانجامي"، وفي لحظة وصلا إلى شجرة الطائرين المقدسين. ومن هنالك مشت ابنة التاجر إلى منزلها الواقع في طرف الغابة، وفي اليوم التالي، لوّحت بالمروحة السحرية، فظهر الأمير "صوبور" أمامها، وحين أرتهُ الخاتم، بلغت دهشته إلى أقصى مداها، وعرف أن زوجته نفسها هي الطبيب الذي عالجه، اصطحب الأمير زوجته معه إلى قصره في المملكة النائية، وغفر لأخواتها، وعاشوا جميعا سنين طويلة سعداء ومرحين.