الأستاذ ويناياك أستاذٌ مَعْروفٌ في جامعة دلهي، ويَحْظى باحترامٍ بالغٍ في الوَسَطِ الجَامِعِيِّ، فهو أستاذٌ مُمْتَازٌ وَمَعْرُوْفٌ بِلُطْفِهِ وَكَرَمِهِ وَاِسْتِعْدَاْدِهِ الدَّاْئِمِ لِمُسَاعَدَةِ الطَّلَبَةِ وَالطَّالِبَاتِ وَالْمُحْتَاجِيْنَ.
ذاتَ مساءٍ، كان الأستاذ يقودُ سَيَّارتَه على أحد شوارع الجامعة، إذ ظهر على شاشة نظام السيارة السمعي والترفيه رقمُ اتصالٍ غيرِ معروفٍ له، وكالعادة ضغط على زِرِّ الإجابة.
آلو، هل معي الأستاذ سَيِّد ويناياك من جامعة دلهي؟
نَعَم، أنا الأستاذ ويناياك، ومن معي؟
أنا البروفيسور آناند شاكرابورتي مِنْ جَاْمِعَةِ كُوْلْكَاتَا، هَلْ تَتَذَكَّرُنِيْ سَعادةَ البروفيسور؟ أنا لَقِيْتُكَ قَبْلَ أَرْبَعِ سَنَوَاْتٍ في قِسْمِكَ.
الأستاذ ويناياك: أنا حَقِيْقَةً لا أتَذَكَّرُ لِقَاءَنَا، ولكن قُلْ لِيْ لماذا تَكَرَّمْتَ بالاتصال بي؟ وكيف يمكنني أن أساعدك؟
البروف شاكرابورتي: سَيِّدي أنا في مشكلة كبيرة الآنَ، أرجوك أن تساعدني في حلها.
الأستاذ ويناياك: سأحاول أن أساعدك، قل لي ما هي المشكلة؟
شاكرابورتي: أنا أستاذٌ في جامعة كولكاتا، حاليا أنا في منطقة بعيدة عن كولكاتا تُعاني من ضعفٍ شديد في الشبكة، وابنتي سونانيا شاكرابورتي، هي مهندسة تعمل في شركة في كولكاتا، ولكنها حاليا في مدنية دلهي لغرض التدريب، وأصيبت بمرض التهاب رئوي شديد، وطلبنا منها أن تعود إلى كولكاتا على الفور بالطائرة، ولكن ليس لديها ما يكفي من النقود لشراء تذكرة الطائرة، وهناك رحلة إنديغو تغادر بعد ساعتين ونصف ساعة في الساعة الحادية عشرة ليلاً، أرجوك أن تُرسل لها عشرة آلاف روبية عن طريق التحويل الإلكتروني "باي تي أم" أو "جوجل باي"، وسوف أرُدُّ إليكَ المبلغ بعد وصولي إلى كولكاتا بعد الغد، أرجوك أن تنقذ ابنتي، وسوف أَظَلُّ مُمْتَنّاً لك ما حَيِيْتُ سيدي، أرجوك....
الأستاذ ويناياك: أعطني من فضلك عَشَرَ دقائق فقط، أنا الآن أقودُ السيارة، وسأصل إلى البيت في سبع دقائق، وبعد ذلك سأقوم بتحويل المبلغ إلى حساب ابنتك.
شاكرابورتي: لطفاً اطلع على رسالة أرسلتُها لك، وفيها تفاصيل الحساب البنكي لابنتي.
الأستاذ ويناياك: حاضر سيدي.
لم يُضَيِّعْ الأستاذ ويناياك أيَّةَ ثانيةٍ في تحويل المبلغ المطلوب إلى حساب سونانيا شاكرابورتي، فتح الكمبيوتر، وَشَغَّلَ "جُوجِل كُرُوم"، وفتح حسابه في ستيت بنك أوف إنديا، وعن طريق المصرفية الإنترنتية حَوَّلَ عشرة آلاف روبية عبر "نيفت" إلى الحساب المُعْطى في بنجاب ناشيونال بنك، فرع كولكاتا، وبعد أن انتهى الأستاذ ويناياك من تحويل المبلغ أخذ صورة الإيصال الإلكتروني الذي ظهر على شاشة الكمبيوتر، وأراد أن يُرسله إلى البروفيسور شاكرابورتي، وتفاجأ بأن رقم هاتف البروف شاكرابورتي لا يحمل الواتساب، فاتصل به وأخبره بأنه قام بتحويل مبلغ عشرة آلاف روبية عن طريق "نيفت" (NEFT)، وسيصل المبلغ إلى حساب ابنته قريباً، ولكنه لا يستطيع أن يشارك الإيصال الإلكتروني معه لأن هاتفه لا يحمل الواتساب.
شاكرابورتي: ألف شكر لك سَيِّدِيْ على هذه المساعدة الغالية، جزاك الله خير الجزاء وأحسنه، ولكن، أخشى ألّا يصل المبلغ إلى حساب ابنتي على الفور لأنَّ التحويل الإلكتروني عن طريق "نيفت" قد يستغرقُ ساعاتٍ في الوصول إلى الحساب، وليس لديها إلا ساعتين لمغادرة الرحلة.
وظهر قلقٌ شديدٌ في صوت البروف شاكرابورتي الذي قال للأستاذ ويناياك إن ابنته الآن في مطار نيو دلهي، وليس لديها إلا ساعتين لمغادرة الرحلة إلى كولكاتا، وإذا لم تتمكن من شراء التذكرة في غضون رُبع ساعةٍ، فعليها أن تبقى في المطار ليلاً، وصحتها رديئة جداً، وقال إننا نريدها أن تعود إلى كولكاتا على الفور كي نُدْخِلَهَا في المستشفى للعلاج. أنت رجلٌ كريمٌ، أرجوك أن ترسل عشرة آلاف أخرى عن طريق جوجل باي أو باي تي أم، وسيصل المبلغ إلى حساب ابنتي على الفور، ويمكنها أن تشتري التذكرة، وسوف أرُدُّ إليك عشرين ألف روبية فورَ وصولي إلى كولكاتا، ولن أنسى طول حياتي هذه المنة الكبيرة لك عليَّ.
الأستاذ سَيِّد ويناياك رجلٌ طَيِّبُ القلب، دائمُ الاستعداد لمساعدة المحتاجين، ولذلك لم يتردد قطُّ في مساعدة فتاة كانت في مشكلة كبيرة، وَفَكَّرَ أن المبلغ الذي يُقرضه إلى ابنة أستاذٍ سوف يسترده بعد يومين أو ثلاثة أيّامٍ، فقام على الفور بتحويل مبلغ عشرة آلاف من جديد إلى ابنة رجل لم يعرفه قط في حياته، أو على الأقل لا يتذكر أنه لقيه في حياته.
وبعد حوالي عشر دقائق جاء اتصال من البروف شاكرابورتي إلى الأستاذ ويناياك، وقال شاكرابورتي إنّ مبلغ عشرة آلاف روبية الذي تم تحويله عن طريق "جوجل باي" قد وصل إلى حساب ابنته وأنها تشتري التذكرة الآن، وسوف يخبره بوصول مبلغ عشرة آلاف أخرى الذي تم تحويله عن طريق "نيفت"، وشكره شكرا جزيلا على هذه المساعدة الكريمة والغالية.
وفي اليوم التالي في حوالَي الساعة العاشرة صباحاً تَلَقَّى الأستاذ ويناياك اتصالاً هاتفيّاً من البروف شاكرابورتي أخبره بأن المبلَغَين أي عشرة آلاف + عشرة آلاف وصلا إلى حساب ابنته سونانيا شاكرابورتي التي هي الأخرى قد أدخلت في وحدة العناية المركزة لأن حالتها حَرِجة.
وفي اليوم التالي أيضا اتصل البروف شاكرابورتي بالأستاذ ويناياك وأبلغه أن ابنته تخضع الآن للعملية الجراحية لأن حالتها خطيرة جدا، وطلب منه مهلة ليرد المبلغ إليه بسبب انشغاله بعلاج ابنته، فقال له الأستاذ ويناياك: على راحتك البروف شاكرابورتي، ولكن لا تنسى أن تردّ إليَّ مالي، فأنا بحاجة إليه. فردَّ عليه البروف شاكرابورتي قائلاً: لا تقلق سيدي، مالك أمانة عندي، وسوف أرد الأمانة إليك قريباً.
وبعد يومين، وفي حوالي الساعة التاسعة صباحاً، كان الأستاذ ويناياك واقفاً في الطابور أمام جهاز الصراف الآلي في أحد الأسواق في حرم الجامعة، وهو يتَصَفَّحُ رسائلَ الواتساب في جواله، إذ لفتت انتباهَه رسالةٌ في إحدى مجموعات الواتس تحت عنوان: "حذارِ من فضيحة كبيرة"، ووَرد في الرسالة أن أستاذاً مزعوماً اسمه شاكرابورتي من جامعة كولكاتا، ورقم هاتفه كذا.... اتصل بعدد من أساتذة الجامعة قائلاً لهم إن ابنته مريضة وعالقة في مدينة دلهي، وهي بحاجة إلى عشرة آلاف روبية لتُسافر بالطائرة إلى كولكاتا على الفور، وهو لا يستطيع أن يرسل المبلغ إليها لأنه عالقٌ في جزر أندمان، حيث الشبكة ضعيفة، وأيضاً لأن هاتفه لا يحمل تطبيقات التحويل الإلكتروني مثل جوجل باي وباي تي أم، وطلب منهم المساعدة، يُحَذَّرُ الجميعُ من الوقوع في فَخّ هذا المحتال، وقد تتسبب المكالمة الطويلة معه في سرقة البيانات البنكية، وجاء في الرسالة أيضاً أن أحد الأساتذة قام بالفعل بتحويل المبلغ إلى حساب ابنته.
وأحَسَّ الأستاذ ويناياك بعد الانتهاء من قراءة الرسالة أن الأرض تهتز تحت قدمَيه، وعلى الفور اتصل بالبروف شاكرابورتي.
الأستاذ ويناياك: آلو، البروف شاكرابورتي، هل عملتَ خديعة معي؟
البروف شاكرابورتي: ماذا تقصد؟
الأستاذ ويناياك: لقد قرأتُ رسالة في إحدى مجموعات الواتساب عندنا أن أستاذا مزعوما باسم شاكرابورتي من جامعة كولكاتا اتصل بعدد من أساتذة جامعة دلهي، وطلب منهم المساعدة المالية لابنته المريضة العالقة في دلهي لتسافر بالطائرة إلى كولكاتا وهو الآن في جزر أندمان ولا يستطيع أن يرسل المبلغ إليها، إنه رجل نَصّابٌ.
البروف شاكرابورتي: يا سلام، أرجوك سيدي أن تنسخ الرسالة وترسلها إلي، وبعد قليل اتصل البروف شاكرابورتي وقال: إلى هذا الحد وصلت وقاحة بعض الأساتذة في جامعتكم الموقرة، بالفعل اتصلتُ ببعض الأساتذة وطلبتُ منهم المساعدة، ولكن لم يستجب أي منهم لطلبي سواك. ابنتي كانت في مشكلة كبيرة، وإذا لا يستطيعون مساعدتي فلا يَحِقُّ لهم أن يُشْهِرواْ اسمي ورقم هاتفي في وسائل التواصل الاجتماعي، ماذا لو كان أحدهم في نفس الوضع؟ والله مِحْنَةُ آخِرِ الزَّمَاِن هذه، ولكن لا تَقْلَقْ يا سَيِّدِيْ، كل هذا كذبٌ وافتراءٌ، مالُك أمانةٌ عندي، سوف أَرُدُّهَا إليك.
وسأل الأستاذ ويناياك البروف شاكرابورتي متى سيرسل المبلغ المقروض له؟ فأجاب بأنه يحتاج أن يذهب للبنك لِيُحَوِّلَ المبلغ إليه لأن هاتفه لا يحمل تطبيق باي تي أم، وإنه سوف يُحَوِّلُ المبلغَ إليه غداً في طريق عودته من المستشفى إلى البيت.
ومضى اليوم التالي بانتظار المبلغ...
وفي صباح اليوم التالي، اتصل الأستاذ ويناياك بالبروف شاكرابورتي وقال: إنك رجلٌ كَذّابٌ، أنت لا تفي بوعدك أبداً، هل هذه خطيئتي أنني ساعدتك في ساعة مصيبتك؟ لقد وَعَدْتَنِيْ قبل البارحة بأنك سوف ترسل المبلغ حتى المساء، ولكنك لم ترسل المبلغ ولم تخبرني بعجزك عن الإرسال. أي نوع من الإنسان أنت؟
وقال البروف شاكرابورتي: أعذرني سَيِّدِيْ عن ذلك، لقد تدهورت حالة ابنتي، ولم أتمكن من الخروج في المستشفى، ولكن أقسم بالله أنني سوف أرسل المبلغ إليك في غضون أربع ساعات.
وبعد خمسِ ساعاتٍ، كاد صبرُ الأستاذ ويناياك يَنْفَدُ، فاتصل بالبروف شاكرابورتي، وبدأ يُوَبِّخُهُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ جام غضبه، وقال له: أنا ساعدتك في ساعة مصيبتك وأنت تُماطل في رد المبلغ المقروض إليّ، لقد عرفتُ الآن أنك نصاب ومحتال، لعنة الله عليك، لقد خسرتُ الإيمان بالإنسانية بسببك، وما إن سمع البروف شاكرابورتي هذا الكلام الذي ربما لم يكن يتوقع من الأستاذ ويناياك، انفجر باكيا، وقال: لقد خسرتُ ابنتي في الصباح سيدي، لقد خسرتُ الدنيا كلها، لم يستطع الأطباء أن ينقذوا ابنتي الوحيدة، ونحن الآن مشغولون بأداء مراسيم الجنازة، لم أخبرك بهذا في الصباح لأنك ربما لا تصدق هذا، وتظن أنني أخلق أعذاراً...سيدي أمهلني بعض أيام حتى أفرغ من كل هذا وسوف أرد لك مستحقاتك.
وأحس الأستاذ ويناياك بألمٍ في قلبه، وأحسَّ أنه ارتكب جريمة بتوبيخه البروف شاكرابورتي، فقام بتعزيته ومواساته، وقال له إنه يمكنه أن يرد المبلغ إليه بعد أسبوع، وأرسل إليه عدداً من رسائل التعزية والمواساة.
وبعد أسبوعٍ كاملٍ اتصل الأستاذ ويناياك بالبروف شاكرابورتي وَذَكَّره بالمبلغ، فقال البروف شاكرابورتي إن البنك مغلق اليوم، وسوف يقوم بتحويل المبلغ بعد يومين أي في يوم الإثنين المقبل.
وفي يوم الإثنين - وهو اليوم العشرون من تحويل عشرين ألف روبية إلى حساب ابنة شاكرابورتي المزعومة - اتصل الأستاذ ويناياك بالبروف شاكرابورتي، وجاء الردُّ الآليُّ على هاتفه: الرقم الذي طلبتَه مغلق، الرجاء الاتصال لاحقاً. وأُغْلِقَ الرقم للأبد.
لم يخسر الأستاذ عشرين ألف روبية فحسب، وإنّما خسر الإيمان بالإنسان.
فأي الخسارتَين أعظم يا تُرى؟