مجلة قطوف الهند

Qutoof Al-hind Magazine

ISSN: 2583-5130 (Online)

Related Articles

الحب أعمى
الحب أعمى قصة لـ: ناميتا غوخالي * ترجمة: مخلص الرحمن ** إنه واحد مما يجري في التض
view
الخدَّج
الخدَّج قصة قصيرة بقلم: وفاء عبد الرزاق/ لندن مصابٌ، مريضٌ، معلولٌ، مُشوهٌ، ج
view
عذاب الضمير
عذاب الضمير قصة قصيرة مجيب الرحمن/ الهند بدا الشارع شبه خال من السيارات بسبب ح
view
أحببتك دون أن أراك
أحببتك دون أن أراك قصة قصيرة بقلم: محمد أجمل / الهند في إحدى ضواحي مدينة تشيناي
view
قُبلَة الموت
قُبلَة الموت قصة قصيرة بقلم: إليامين بن تومي / الجزائر كانت على عهدٍ بالموت قب
view
لهب قديم
لهب قديم قصة قصيرة بقلم: محمد بركة/ مصر هبَّت فجأة دفقة نسيم منعشة. سرنا باتج
view
اللّوح الثاني عشر
اللّوح الثاني عشر قصّة قصيرة بقلم: علي لفته سعيد/ العراق كان المجذاف قد اصطدم
view
جاري المْجهول
جاري المْجهول قصة قصيرة بقلم: هادي المياح/ العراق بعد أن أكملتُ ما نويتُ القيا
view
حصادُ الجوعِ
 حصادُ الجوعِ قصة قصيرة بقلم: فاطمة محمود سعدالله/ تونس كانت هيلين تحملق وا
view
طقوس سريّة .... وجحيم
   طقوس سريّة .... وجحيم  قصة قصيرة بقلم: حياة الرايس/ تونس الخضراء تسطع ا
view
....قصة : جميلة
قصة : جميلة .... قصة قصيرة بقلم: عائشة بنور/ الجزائر "جميلة، صديقتي جميلة، تحي
view
مختارات قصص قصيرة جدا
مختارات قصص قصيرة جدا بقلم: إلهام سعيد محمد/ اليمن تضاد اِعْتَرَضْتُ بِشَدَّة
view
...ملِكُ الملوك إذا وهَب
ملِكُ الملوك إذا وهَب...! قصة قصيرة بقلم: ربيعة جلطي/ الجزائر منذ أزمنة ولّت ترو
view
عازفة قصر البيكاديللي
عازفة قصر البيكاديللي قصة قصيرة بقلم: واسيني الأعرج/ الجزائر عندما وقفت سيلين
view
العودة إلى الذات
العودة إلى الذات قصة قصيرة بقلم: رابح خدوسي/ الجزائر كانت كمية القهوة تقل في ا
view
وجاء العيد
وجاء العيد[1] قصة قصيرة مترجمة ترجمة: بروفسير جلال السعيد الحفناوي/مصر اليوم..
view
البحث عن الهوية
 البحث عن الهوية قصة قصيرة بقلم: تجمل حق/ الهند في أحد الأيام، وبينما الصديق
view
الحب الزائف
الحب الزائف قصة قصيرة بقلم: محمد ريحان الندوي/الهند نذير أحمد البالغ من عمره
view
عودة التسُونَامِي
عودة التسُونَامِي قصة قصيرة بقلم: محمد علي الوافي كرواتل/الهند تمهيد: (لا أد
view
تحت ركام الجثث
تحت ركام الجثث قصة قصيرة بقلم: محسن عتيق خان / الهند ما إن بدأ هارش يفك حزام الك
view
قصص قصيرة جداً
قصص قصيرة جداً بقلم: وفاء عبد الرزاق[1] لندن   (ظِلٌّ) لمْ يكُنْ ظِلُّه الد
view
وابلٌ من الخيطان
وابلٌ من الخيطان بقلم: لبنى ياسين[1] سوريا/ هولندا كيف يمكنُ أن أعيشَ في هذا الع
view
قبر لكل الدموع
قبر لكل الدموع بقلم: إليامين بن تومي - الجزائر[1]   دخل البيت على غير عادته، ل
view
لقاء في كوبنهاجن
                       لقاء في كوبنهاجن          &n
view
من مذكرات كلب
من مذكرات كلب    بقلم: د. بن ضحوى خيرة                &nbs
view
رصاصة الرحمة
  رصاصة الرحمة                 بقلم: طه
view
الفتى العكّاوي
الفتى العكّاوي[1] بقلم: عائشة بنور، الجزائر  القصة الفائزة في مسابقة منتدى ال
view
قصة: حَجــرٌ
قصة: حَجــرٌ بقلم: خيرة بغاديد - الجزائر-[1]          يخطو خطواتِ
view
البوصلة والأظافر وأفول المطر
البوصلة والأظافر وأفول المطر بقلم: د.  سناء الشعلان (بنت نعيمة)[1] selenapollo@hotmai
view
"خيتينيا"
"خيتينيا" بقلم: هالة البدري/ مصر[1]   لم يتوقعا أن يكون شاطئ ميامي بهذا ا
view
مَنْ جَدَّ وَجَدَ
مَنْ جَدَّ وَجَدَ بقلم: د. مجيب الرحمن[1] "إِنَّ مُسْتَقْبَلَكُمْ بِأَيْدِيْك
view
المقامة الاقتصادية
المقامة الاقتصادية بقلم: د. محمد سليم[1] حكى خالد بن سلام قال مرّة حداني التفكير
view
الإمام الطائش
الإمام الطائش بقلم: د. طارق انور الندوي[1]   كان ذلك الحادث أليمًا ومخزيًا لل
view
ما لها وما عليها الآن
ما لها وما عليها الآن                               &nb
view
العروس الكسولة
العروس الكسولة بقلم: د. محمد أجمل[1]             بينما ا
view
اَللِّحَافُ
اَللِّحَافُ (من الأدب الأردي الهندي)  بقلم: عصمت تشغتائي[1] المترجم: د. محمود
view
دعوة المظلومة
دعوة المظلومة الكاتب: بريم تشاند[1] ترجمة وتلخيص: د. قمر شعبان[2]   خرج المن
view
حصالة الخزف
حصالة الخزف بقلم: د. محسن عتيق خان[1] سيتم إلغاء تداول العملات الورقية النقدية من
view
عيدُ غريبٍ
عيدُ غريبٍ بقلم: عبيد الرحمن[1]   راشد يعمل مهندسا برمجيا في إحدى شركات الحوس
view
في طرفة عين
                                        في طر
view
طالب طموح بين رحى الحياة
طالب طموح بين رحى الحياة د. تجمل حق[1] سمع أنوار الحق قصة نجاحات المتخرجين في الم
view
تاريني ماجي (الملاح)
تاريني الملاح بقلم: تاراشنكر بانديوبادياي[1] ترجمة من اللغة البنغالية إلى اللغة
view
لعبة الأقدار
لعبة الأقدار          بقلم: د. محمد ميكائيل[1] صبيحة يوم السبت من شهر دي
view
صوبور
صوبور حكاية شعبية بنغالية * ترجمة وإعادة الصياغة: د. معراج أحمد معراج الندوي** -
view
الحامول (امربيل)
الحامول (امربيل) الكاتبة: عصمت تشغتائي [1] ترجمة: محمد مظهر[2]   لم يكن كف
view
الباحث عن السلام
الباحث عن السلام ترجمة: بريتي بهارتيا[1] الكاتب: أوبنيدرا ناث أشك[2] لا تبحث عن ا
view
حُرمة الضيف
حُرمة الضيف الكاتب: عبدل بسم الله[1] ترجمة د. أحمد القاضي[2]   سادت موجة شديد
view
الهنــد التـي أحبهـا
الهنــد التـي أحبهـا الكاتب: روسكين بوند[1] ترجمة: د. محمد أجمل[2] قبل بضع سنوات،
view
طعام بأنامل الموت
طعام بأنامل الموت الكاتبة: كامالا ثريا[1] ترجمة د. عبد الغفور الهدوي كوناتودي[2]
view
النمر الأسود
  النمر الأسود القاص: شهاب الدين فويتومكاداوو[1] ترجمة: عبد الرشيد الوافي [2]
view
اليأس
اليأس الكاتب: فايكم محمد بشير [1] ترجمة: أنشدة رشيد[2] بدأ حياته فقيراً، وعرف الت
view
أوبوماوو
أوبوماوو الكاتبة: تشاندراماتي [1] الترجمة: عبد الله الوافي [2] كلا الولدين يتصلا
view
قصة "بِديني" - مُلاعبة الثعبان
قصة "بِديني"[1]  - "مُلاعبة الثعبان" لـ تاراشنكر بانديوبادهياي[2] الكا
view
كابولي والا (رجل من كابل)
"كابولي والا" (رجل من كابل) قصة قصيرة لـــ"رابيندرا ناث طاغور"[1] ترجم
view
لاعبا الشطرنج
لاعبا الشطرنج قصة قصيرة لـ"المنشئ بريم تشند"[1] ترجمة: [2]د. قمر شعبان في عص
view
يوم ماتت الأميرة ديانا
يوم ماتت الأميرة ديانا قصة لـ: ناميتا غوخالي * ترجمة: د. مخلص الرحمن ** دائما كان
view
ضحكة رنّانة
ضحكة رنّانة (القصة الفائزة بالجائزة الأولى بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة الدكت
view
في كل سنبلة مائة حياة
في كل سنبلة مائة حياة (القصة الفائزة بالجائزة الأولى بالمناصفة في الفئة الأولى،
view
الفجوة الجيلية
الفجوة الجيلية (القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الأولى، فئة الدكتوراه ف
view
نصيبي
نصيبي (القصة الفائزة بالجائزة الثانية بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة الدكتوراه
view
بعد الامتحان
بعد الامتحان (القصة الفائزة بالجائزة الثانية بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة الد
view
الجنين المصلوب
الجنين المصلوب (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الأولى، فئة ا
view
لا تذهبي... أنا آسف
لا تذهبي... أنا آسف (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة في الفئة الأولى، فئة الدكتورا
view
السكرتير
السكرتير (القصة الفائزة بالجائزة الأولى في الفئة الثانية، فئة الماجستير في المس
view
لا أريد منك إلا ساعة وقلما
لا أريد منك إلا ساعة وقلما (القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الثانية، فئة
view
الجنون
الجنون (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثانية، فئة الماجستي
view
على ضفة نهر الكنج
على ضفة نهر الكنج (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثانية، فئ
view
الكلب والمالكة
الكلب والمالكة (القصة الفائزة بالجائزة الأولى في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس
view
الفتاة الهندية
الفتاة الهندية (القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الثالثة، فئة البكالوريو
view
أسوأ سفر
أسوأ سفر (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، في ا
view
النصيحة
النصيحة (القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثالثة، فئة البكالو
view
أمٌّ في وادي تشيناب
أمٌّ في وادي تشيناب (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الفئة الأولى، فئ
view
زوج فقير
زوج فقير (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الأولى، فئة الدكتور
view
على عتبة الفاشية
على عتبة الفاشية (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الأولى، فئة
view
بين عدوى الفيروس وعدوى الكراهية
بين عدوى الفيروس وعدوى الكراهية (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الف
view
الحب الأعمى
الحب الأعمى (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الثانية، فئة الم
view
أرملة عشيقة
أرملة عشيقة (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الفئة الثانية، فئة الما
view
مغبة الانتظار
مغبة الانتظار (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثالثة في الفئة الثانية، فئة ا
view
الغيبوبة
الغيبوبة (القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، ف
view
جريمة قتل مزدوجة
جريمة قتل مزدوجة  د. محمد أجمل * حان وقت الظهيرة. فكرت أن أستريح لبضع دقائق فقط
view
البوصلة والأظافر وأفول المطر
    البوصلة والأظافر وأفول المطر بقلم: د. سناء الشعلان (بنت نعيمة) إن كان
view
ساعتان وبضع دقائق
ساعتان وبضع دقائق إلى روح الشاب محمد الحاج علي الذي قضى في حريق لندن بقلم: لبنى
view
الصّديق السّرّيّ
الصّديق السّرّيّ بقلم: د. سناء الشعلان (بنت نعيمة) روائية وقاصة أردنية لم يحظّ
view
طائرة ورقية
طائرة ورقية بقلم: د. مديحة بلاح كاتبة جزائرية ما أجمل الكلام الذي لا يقال إل
view
في اليوم العشرين
في اليوم العشرين أ.د. مجيب الرحمن مركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواه
view
بنت عفيفة
بنت عفيفة بقلم: د. محمد أجمل أستاذ مساعد، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جام
view
جور الوحوش وعدل الثعلب
جور الوحوش وعدل الثعلب بقلم: عبد الرقيب علي ماجد طالب ماجستير بجامعة جواهر لال
view
غَطِ وجهَكَ بهذهِ الكمامة
غَطِ وجهَكَ بهذهِ الكمامة عبد الرؤوف توتي بن حمزة كاتب هندي كان الطابق الثالث
view
الأب الثاكل
الأب الثاكل بقلم: عبيد الرحمن كاتب هندي "بابا، بابا" كأن طفلة همست في أذ
view
إن العالم لا يصلح للعيش
إن العالم لا يصلح للعيش عبد الله سراج طالب الماجستير، السنة النهائية، مركز الد
view
الشعر الطويل
الشعر الطويل الكاتب: بشيشر براديب* المترجم:  أ.د. جلال السعيد الحفناوي** &nbs
view
ليتوقد الفانوس طول الليل
ليتوقد الفانوس طول الليل الكاتب: خواجه أحمد عباس المترجم:  أ.  د. محمد قطب ا
view
بئر الساقية
بئر الساقية الكاتب: المنشئ بريم تشاند * المترجم:  د. قمرشعبان الندوي ** قال
view
قصص قصيرة جدا
قصص قصيرة جدا بقلم: وفاء عبد الرزاق (1) ( عَارِفٌ غَيرُ عَارِفٍ ) تمدَّد على صو
view
وحش ما قالته العرب في ملحمة الفلسطينيّ
وحش ما قالته العرب في ملحمة الفلسطينيّ  أ.د.سناء الشعلان/ الأردن    &n
view
الضربة الأخيرة
الضربة الأخيرة بقلم: لبنى ياسين سوريا/ هولندا لم يعدْ السيافُ مسرورٌ مسروراً
view
القطار
 القطار زياد طارق عبد الله العبيدي شاعر وقاص من العراق.   ------------------
view
سؤالٌ بحجم الهملايا
 سؤالٌ بحجم الهملايا أ.د. مجيب الرحمن الهند ------------------ كان عادل جالساً في
view
من الشكوى إلى الشكر
من الشكوى إلى الشكر  د. محمد أجمل الهند ------------------ سألت سعاد زوجها حارث بص
view
فَكِّر مَرَّتين قبل أن .....
فَكِّر مَرَّتين قبل أن .....  عابد زين كيه الهند ------------------ ذبلت أشعة الشمس و
view
ضيق القلب
 ضيق القلب سمية رياش ------------------ رأت سيارات متحركة على الشوارع وكانت هائمة ف
view
رجل شقي
 رجل شقي محمد حُمَيْس الهاشمي الهند ------------------ هذه قصة رجل لم يقدر نعم ربه
view
الضغث على الإبالة
 الضغث على الإبالة أمير الدين الهند ------------------ لَبّى شقيق "سلام" دعو
view
الهواية المفضلة
الهواية المفضلة   مجموعة من الطلبة والطالبات جامعة جواهر لال نهرو، نيو دل
view
زوج زيتون
 زوج زيتون شهاب علي الهند ------------------ تفشى الظلام رويدا رويداً وتلاشت أمار
view
طريق النجاة
 طريق النجاة قصة لـ: للمنشئ بريم تشاند ترجمة لـ: د. قمر شعبان/الهند -----------------
view
وقائع المنفى
 وقائع المنفى (قصة ميثولوجية) قصة لـ: ناميتا غوخالي ترجمة لـ: د. مخلص الرحمن/
view
!من يُحيي ومن يَحيى
من يُحيي ومن يَحيى ! قصة لـ: مانك بندوبدهاي (أديب وقاص وروائي بنجابي هندي) ترجمة
view
يوم في حياة منجم
 يوم في حياة منجم قصة لـ: : آر. كيه. نارائن (كاتب هندي شهير) ترجمة لـ: مأمون مظهر
view

محطة النار والدخان

Vol No 1, Issue No 2- مجلة قطوف الهند
April 01, 2022
554 


محطة النار والدخان

بقلم: د. محمد عفان[1]

اقتلوهم ...شردوهم ...البارحة عندما سمع النعرات والهتافات استيقظت كوابيسه المرعبة التي كانت نائمة منذ أكثر من ثلاثين سنة.

لأشهر كان الكهنة يقولون في نبوءاتهم أن القلوب في الصدور قد أضحت موادا متفجرة قد تشتعل في حين من الأحيان، وقد تلفّ نارها ودخانها العباد والبلاد، ولكنه لم يعط لها بالاً، وحسبها اختلاقا من اختلاقات الخيال، أو مبالغة محضة، أو دعاية من سماسرة الأوهام.

 أولا أنكر الأصوات، وأنكرها عقله قبل أن ينكرها وعيه، أنكرها لنحسها وشؤمها، وتجاربها المتكررة الفاشلة التي لم تؤد يوما إلا إلى نتائج مرة وخيمة لا يحتاج لإثباتها إلى الأدلة، كما أنكرها لتقدم الزمان، ونمو الثقافة، وشيوع الاستنارة، وانتشار أسباب الحضارة.

خُيّل إليه مما سمع أن مارداً قد يخطفه إلى ما فوق السحاب، ويتركه بين الأرض والسماء، أو أخطبوطا عملاقا تلتف أذرعه حول كيانه ويجره إلى قعر البحر شيئا فشيئا، أو دبا مخيفا يطارده إلى كهف مظلم ليعذبه بطرق مختلفة؛ يرى شبح الموت ماثلا أمام عينيه، فلا يرى له دفعا ولا لمخرجه سبيلا.

عادت به الذكريات إلى سني طفولته، وتمثلت لذهنه مشاهد وصور مثيرة للحزن والأسى؛ كأن صبيا افترق من أبيه، وضل الطريق، وفاته القطار، أو كأنه على محطة قطار، في ليلة ممطرة شاتية، يرى بعينه المضببة القطار يقترب من الرصيف متهاديا، وفجأة يغمى عليه، أو كأنه يشاهد نهاية أغنية من أغاني فيلم "باكيزه"، صوت صفير القطار المتحلل في ظلام الليل وبالتوازي انطفاء الشموع باضطراب وتهدج، في حفلة رقص وغناء، أو كأنه يرى صورة صبية على غلاف مجلة منسية، جاثمة على الأرض في زيها المدرسي، تتناثر حولها لبنات وأحجار بناء متقوض منهار، أو كأنه يمر بالقرية المنزوية التي نبتت على جثث من أهلها القرنبيط والباذنجان والبطاطا، أو كأنه يقرأ للسياب قصة الطفل الذي "بات يهذي قبل أن ينامْ: بأنّ أمّه ـ التي أفاق منذ عامْ...فلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالْ...قالوا له: بعد غدٍ تعودْ ....لابدّ أن تعودْ...وإنْ تهامس الرفاق أنها هناكْ...في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ...تسفّ من ترابها وتشرب المطرْ"، أو كأن به في ميدان كربلاء يشاهد سهما غادرا يخترق شفاه الرضيع الشهيد، أو كأن التتر ينبشون في كل مكان كالجراد المنتشر، ويعربد الموت، وتمطر السماء دماء.    

 قال له أبوه أن يؤجل سفره لتعليمه، فالجو ينذر بمطر لا خير فيه، فأبدى الغلام إصرارا على عزمه. كان أبوه شم رائحة الدخان الذي سترتفع دوائره الكثيفة قريبا، وتحجب العقول والأنظار...  ولكن لو لا إصراره لاتخذت حياته منحى آخر، لما كان حيث هو الآن، أو هكذا يفسر الآن موقفه وعناده. إنه يشك في همة أبيه، في أن يرسل وحيده بينما الشوارع لمثله تحولت إلى أعداء، والمحطات شبه مهجورة، وهمسات القتل والفتك تدوي في الفضاء. 

 وقف "دانا فور اكسبريس" على محطة "باتنا" نعسان تعبان متخاذلا بعد سفره طول الليل من مدينة "باغلفور"، وعندما خرج الغلام مع أبيه من المحطة لمس صراعا بين غلس الفجر الندي ونور الصباح الخجول الذي كان يحاول أن يضيء العالم حالا على حال. دخلا "سرفراز هوتل" الذي عرفاه في سفرهما الأول إلى مدرسته بمديرية "غوبال غنج"، فالسفر التالي هو بالحافلة، وسيستغرق عدة ساعات، فلا يصل إليها إلا بعد الظهر. تناولا الفطور المشتمل على "الرغيف وقيما سالن"، وكأن في فيه طعمه اللذيذ بعد كل هذه السنين، وبعد الفطور توجّها مباشرة إلى موقف الباص... وحان وقت الوداع فطفرت الدموع من عين الغلام. كانت أشغال أبيه في مدرسته تمنعه من أن يصاحبه في رحلته الباقية، ولكن دموعه غيرت رأي أبيه. لم يمكث في "سيمرا"، في مدرسة ابنه، إلا ليلة واحدة، رغم تعبه وحاجته إلى الراحة، ففي المرة الأولى قضى ليلتين هناك، لعلّ قلبه كان يحدثه أن يعجّل بالسفر... وأحسب لو كان مكث ليلة أخرى لطالت إلى وقت لا يعلمه إلا الله. حكى له أبوه فيما بعد، بعد أن استقر مساره، وتقرر مصيره، أن في عودته من "سيمرا" عندما اقترب "فيكرام شيلا إكسبريس" من محطة باغلفور، وتباطأ سيره، لاحظ على جانبي سكة الحديد أفواجا من الناس، حمر العيون، مدججين بالسلاح، يهتفون بنعرات تفرقهم في طائفتين بارزتين.

ثم ما وقع بعده هو محفوظ في التاريخ. وكما كان حدس أبوه؛ اكفهرّ الجو، واربدّت الغيوم، وأمطرت دماء ودموعا، فسالت بها الأودية، وتكدست الأشلاء في البرك، فتحولت من بياضها إلى أحمر قان، وتأججت النار، فذابت فيها العلاقات الحميمة الألماسية وتبخرت دخانا، وصرخت القلوب من ألم تمزقها، وتأوهت الأرواح من التشظي، واصفرت الأوراق، وذوت الأزهار، وهاجرت الطيور، وتضورت الغزلان والشياه من العطش خوفا من الوحوش والذئاب.

الغلام على مسافة أربع مائة كيلو متر يتناقل مع زملائه أحداث النار والدخان كأحداث يومية عادية لا تحرك ساكنه كثيرا، فهو لم يستوعب حجمها بعد، ولم يؤت من قوة الفكر والتحليل حتى يدرك الفرق بين "الأنا" و"الآخر"، ويتبين مقدمات الصراع بينهما ونتائجه، كان عليه أن يعبر محطات أخرى لتتجلى له الحقائق وتنكشف له الأسرار، ويعين موقفه من هذه الأحداث.

أما أبوه، فلمّا نزل المحطة لم يتجه إلى اليسار المؤدي إلى بوابة الخروج، بل سار في اليمين، وكان ذلك له يمنا بارك في حياته وعمره، سار في زقاق ضيق، وخرج على شارع جانبي ليجد الناس من طائفته في حالة هياج. كل من رأى اللحية الكثيفة البيضاء على وجهه قال له أن يستعجل إلى مأواه إذا كان له مأوى. قضى في المدينة ليالي وأياما رأى فيها الموت أقرب من وريده مرارا. كان في بيت عمه، في ركن ركين، ولكن لم يكن في حسبانه قط أنه يحيى ليشاهد هذا الوضع الاستثنائي. ولد قبل سنة أو سنتين من اللحظة الفاصلة في حياة شبه القارة الهندية التي مزقت جسمها نصفين، وغار في جسدها النصل المسموم الذي تظهر أعراضها في صورة دم وقيح ونتن لحين وآخر. ربما قرأ وسمع قصص النار والدخان في أعقاب 1947، ولعله وجد دليلا حيا على ذلك عندما كان يقارب خمسة عشر عاما من عمره. كانت جدة الغلام تحكي أن سنة في الستينيات كانت شديدة على الأسرة، وقعت حوادث النار والدخان، فساد الرعب وأقفرت الشوارع، ومما حدث معها أن تقطعت سبل التواصل بينها وبين جدي الذي كان يعمل معلما في مدينة "باغلفور" في بعض المدارس، فهم لا يعرفون عنه وهو لا يعرف من حال أسرته شيئا، أ أحياء أم أموات، لخمسة عشر يوما يطبخ الطعام ولا ترغب فيها النفوس ولا تمتد إليه الأيدي...كان جد الغلام شجاعا جريئا، وقد رآه الناس في حوادث النار والدخان التي وقعت قبل وفاته بعامين سنة 1989، (والتي اكتوى بنارها الغلام مباشرة) وازدحم بيته واكتظ بعشرات العائلات اللاجئة من القرى المجاورة، رآه الناس في فناء البيت يذرعه جيئة وذهابا مع عصا غليظة في يده... قال جده لبعض أصحابه أنه ينوي زيارة بيته وتفقد حال أسرته، نصحوه بألا يفعل ذلك، لا يستطيع إخفاء هويته، فأين وكيف يخفي ما على وجهه من زينة! ولكن جده يعرف هول ما يتمخض عنه مثل هذه الظروف... فيرى "الغلام الأربعيني" أن جده كان شابا عندما كانت بلاده في المخاض وتمر باللحظة المصيرية عند الاستقلال، ومما يذكر أنه لا يزال يحتفظ برسالة "غريبة" من جده إلى جده الأصغر أو قل من أخيه إلى أخيه الأصغر، منه إليه وإليه منه في رسالة واحدة، وكلما قرأها لا يتمالك من الابتسام، على جانب يشكو الأخ الأصغر ضيم أخيه مثلما شكا طه حسين في "أيامه" ضيم أخيه الأكبر في الأزهر؛ استئثاره بملذات الحياة، فيوبخ الأخ الأصغر في الجانب الثاني على تهوره وتجرأه على السفر إلى باكستان والوضع هو الوضع نار ودخان... لا يدري إلى أي تاريخ ترجع الرسالة، لا يستطيع أن يحدده بالضبط، ولكنها تشير إلى الظروف الطائفية المهولة...

على أية حال لما رأوا إصرار جده على زيارة بيته وأهله جاؤوا له بحل؛ ألبسوه بذلة البوليس، وجعلوه شرطيا حيا متحركا، بنطلون كاكي قصير يتدلى من جانبيه سكينان، وهراوة في اليد... مشى حوالى أربعين كيلو مترا من بين شوارع وقرى تنطق بالوحشة، وأهالي متهيبين متأهبين، ولا رفيق له في دربه إلا إيمانه بالله وثقته بالنفس... وصل إلى بيته آمنا، وطاب لأهله الطعام والمنام... ومما حكت الجدة أن في تلك الأيام كان العمال والبناؤون من مختلف الطوائف مشغولين في بناء بيته، فلما رأوا جده في تلك الهيئة الغربية من لحية كثيفة على الوجه، وبنطلون قصير، وسكاكين متدلية، انفضوا وهربوا بحياتهم هاتفين: أنجدوا قد جاء القتلة...

وأما أمه فكانت الدموع هي صلاتها وسلوتها؛ ضوضاء وقصص وحكايات العائلات المتراكمة المتكدسة لا توفر لها راحة، لا تعرف عن أمر زوجها ووحيدها شيئا... إلى أن بلغ بها الحزن شأو حزن يعقوب لابنه يوسف؛ قالت إن الدوحة التي كانت تستظل بها قد اقتلعت من جذورها وانهارت، ابتلع زوجها ووحيدها النار والدخان... ولكن أهل القرية كانوا متفائلين، بل كانوا يستفتحون بأبيه... قالوا لو نجا النعمان، نجونا وإلا...كانوا يعرفون ورعه وتقواه ونبل خلقه ونقاء سريرته، وحرام أن يمس الشر مثل هذا الإنسان الملائكي.

نعم خرج الغلام وأبوه وأسرته وأهل قريته من محطة النار والدخان سالمين، إلا من كوابيس وبقايا أحلام مفزعة تزورهم من حين لآخر، وتعيق حياتهم عن سيرها الطبيعي، غير أنهم يؤمنون أشد الإيمان أن الدخان الذي يرونه الآن متصاعدا سيتبخر بإذن الله، ولكنه قبل ذلك يفعل ما في مزاجه، سيغشى الليل والنهار، ويحجب العقول والأنظار، ويلتهم البلاد والعباد، ويوقظ كوابيس نائمة، ويخلق كوابيس جديدة... إلى أن تطفئ القلوب التي في الصدور حممها، وتستبدل بها جمرات الحب وحرارة الأخوة ودفء السلام.

 

 


[1]  أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية بجامعة غلام شاه بادشاه في راجوري، ولاية جامو وكاشمير، مترجم وكاتب.

Post a comment:



© 2022 Qutoof Al-hind Journal