يوم ماتت الأميرة ديانا
قصة لـ: ناميتا غوخالي *
ترجمة: د. مخلص الرحمن **
دائما كانت صديقتي المفضلة في المدرسة تعلن: بداخل كل فتاة أميرة، وكنت أرد عليها في ذلك الحين: "لست أنا، أنا فقط أخت غير شقيقة قبيحة." هذه القصص المحبوسة بداخلي تخنقني أثناء سعيهم للتعبير في بعض الأحيان، وتمسك بحنجرتي وتطالبني مثل طفل صارخ أن تُسمع. يمكنك أن ترى أن استعاراتي تعاني الاضطراب. غالبًا ما يحدث ذلك عندما أكون مُشوَّشة الذهن، ويحدث عادةً عندما أبدأ في سرد قصة.
هذه هي قضية قصص الحب، قصة غرامية قديمة الطراز بين شخصين متفقين بدأت بالورود والحماسة في يوم ممطر عندما اندلع البرق عبر سماء رمادية ما أضاءت عيون صديق لم ألتق به منذ زمن طويل. لم ألتق به منذ ما يقارب عقد من الزمن، ومع ذلك، عندما التقينا مرة أخرى، تلاشت السنوات وأصبحنا أصدقاء. لقد كانت صداقة سهلة وسعيدة من نوع نادرًا ما يتطور إلى حب؛ لكنها تطور إلى ذلك قبل أن تتمكن من قول "آبرا كا دابرا"، كنا نقسم بالله على ألا نترك بعضنا بعضا أبدًا، ولا نأكل ولا نتنفس ولا نعيش إلا معًا. شعرنا بالأمان والسعادة، وكثير من صديقاتي المنتشرات في أنحاء المدينة تلقين لوعتي بالحب بالاحتقار أو الشك أو السخرية المطلقة، بناء على درجة خبرتهن وعدد المرات التي انكسرت فيها قلوبهن.
لم أكترث بهذه الأشياء في ذلك الحين إذ كنتُ منشُغِلة عنها بالتأثيرات الخاصة. كنا معًا في دار الاستراحة في الغابة على الجبال، مبتلين بشكل كامل. أشعلنا النار في علب التغليف والصحف القديمة وبعض المخاريط الصنوبرية الجميلة. و مارسنا الحب لأول مرة بعد سنوات عديدة من معرفة بعضنا البعض على الهسيس من اللهب والضوء البرتقالي الذي ألقى بظلال غريبة على الحائط. طبعا، هذا ما غيّر الأمور بيننا. يحسن لي الآن – كما أعتقد - أن أبدأ في سرد هذه القصة. كنت قد رجعت إلى دلهي آنذاك، وذلك في صباح رطب من المانسون. أتذكر أنني كنت أتحدث عبر الهاتف، ولكني نسيت مع من أو عن ماذا كنت أتحدث، عندما دخل أخي الغرفة وشغّل التلفزيون وسأل. "ألم تسمعي؟ الأميرة ماتت". كان هناك دوي منبعث من جهاز التلفاز المحمول الموجود على طاولتي، والفتاة على الشاشة تزامن إعلان أخي. وسيارة مشوهة وَمَضتْ على الشاشة وقد بدت كصرصور مسحوق بزوج من قباقيب خشبية، ثم تنهد أخي بصوت خفيض.
على الرغم من أنه محامٍ وليس عاطفيًا على الإطلاق، فقد بكى أخي مرارًا وتكرارًا خلال المرات الأربع التي رأى فيها فيلم "من نحن بالنسبة لكم؟" (Hum Aapke Hain Koun). لذلك، قررت عدم مواساته لأترك الأمر للوقت وهو كَفيل بالْتِآم الجِراح. أنا لست شديدة الحساسية للموت إذ رأيت الكثير من الوفيات. وبصفتي محررة للمقالات، لا يسعني إلا أن أهنئ كاتب السيناريو الأفضل على خاتمة بارعة إذا كانت ميلودرامية. كان هناك الكثير لنثني عليه في رحيل يوجد فيه حيوية مثلا إن الموت المبكر يعني الخلود والبقاء.
كان أخي قد جاءني لأخذ بعض معجون الأسنان (كان معجون الأسنان ينفد لديه دائمًا لسبب ما، على الرغم من أنه لا يعاني من نقص وَرَق الحَمّامِ). بعد أن غادر، جاءت الخادمة لتنظيف الغرفة. كنت أحتسي أول فنجان قهوة بعد الاستيقاظ عندما استقرت على الأرض بجانب سريري وبدأت إحدى محادثاتها اللامتناهية.
في الطابق السفلي، كان هناك سيل من الدموع. تنهد والدي واستنشق في منديله، ثم أوضح دون مخاطبة أحد أنه ربما يكون مصابًا بالفيروس. ربما رثى على فقدان الجمال، وهو أصعب الألغاز التي لا يمكن اكتشافها. بكت والدتي بصراحة أكثر. وقد رثت على فقدان الشباب، وحزنت على ضياع فُتُوّتها كما تحزن على ضياع شباب أي أحد آخر.
كنا حددنا موعدا لغداءٍ بناتيّ بعد ظهر ذلك اليوم. اجتمعت مجموعة من الصديقات معًا لتناول بوفيه قليل الدسم في مطعم عضوي جديد، وأخبرتني صديقاتي، بكل أمانة وصدق عندما لا تريدهن كذلك، أنني كنت أبدو بشعة؛ وسألنني: ماذا فعلت بنفسك؟ وقالت صديقتي المفضلة "بشرتك تبدو مشوهة ومنتفخة بشكل ما، واكتسبتِ الوزن الذي كنتِ فقدته." لقد تعاملت مع هذا الكم الهائل من المديح بلطافة بقَدرِ الإمكانِ. أنا أخت قبيحة غير شقيقة ولست أميرة.
تحول الحديث مِن غَيرِ بُدّ إلى حادث السيارة وموت الأميرة. قلت بتحد: "الجميع يموت"، وأنا كنت أهيئ سلطتي الخالية من الدهون بالكريمة. قوبلت هذه الإجابة بنظرات مندهشة وهمسات منخفضة. صديقة لصديقتي المفضلة التي، طبعا، لم تكن صديقتي المفضلة، أطلقت أنينًا منخفضًا من الألم والغضب وصرخت "لكنها كانت أميرة!"، وفي بقية الغداء، ظللت منعزلة ومطرودة بسبب قساوة قلبي. حاولت أن أوضح أن المظهر الجيد للأميرة دائمًا جعلها غير واقعية في عيني، إن لم تكن سريالية. أجابت صديقتي المفضلة "توجد فيك مرارة كأن الخَلّ يجري في مجرى دمك!"
وعندما كنا ندفع الفاتورة بشكل جماعي، ونبحث في أكياسنا عن العملة والفكة لتسديد الديون القديمة، حطّمت صديقة صديقتي المفضلة عالمي قائلة بشكل عارض: من الأفضل أن تتحقق من الفتى الجميل الذي تلتقين به هذه الأيام. أعتقد أنه يقدم التفصيل عن زواجه المكسور إلى كل فتاة شابة يتحدث معها. من الغريب أنني لم أكن أعرف أنه كان متزوجا. خلفت ورائي زواجين: أحدهما انتهى بالطلاق والآخر بالموت. والآن اكتشفت وجود زوجة في حياة حبيبي، مما جعل الدائرة الكاملة لحبنا مثلثًا غير مرغوب فيه. أتذكر كيف شعرت آنذاك، أن أُترك من شخص آخر- هل وقعت في موقف مربك مرة أخرى؟
في اليوم التالي في المكتب، كانت جميع الفتيات في حالة حداد، والرجال يعانون من الصدمة والتأثير المدمر بدرجات متفاوتة. 'حقًا!' كما قالت الفتاة في مكتب الاستقبال، موضحةً صوت الكثيرين مثل جوقة الإنشاد في مأساة يونانية، "حقًا، بعض الناس ليس لديهم مشاعر!" كانت تشير إلى رفضي للحداد. حاولت أن أوضح أن حياتي أصبحت معقدة بعض الشيء. فهي ردت برفع الحاجب.
قد مات عامل المصعد في مبنانا، ويبدو أن ذلك لا يزعج أحداً. وعندما اقترحت أن نجمع بعض النقود لعائلته، قوبلت الفكرة بصمت فاتر، أعتقد أن موت الفقراء والمسنين يؤدي إلى قليل من الحزن، بينما موت الشاب الجميل هو موت الأحلام. لذلك، لا دموع على عامل المصعد.
يجب أن أوضح أن مكتبنا لا يخص لعبة الكريكيت أو كرة القدم أو أشياء من هذا القبيل. كانت الرياضة الوطنية توجد في الطابق الثامن من برج كايلاش، ووكالة الإعلانات حيث أعمل، أصبحت مركزا لمعركة طويلة بين المَلَكِيّين (Royalists) والموالين (Loyalists) منذ بضعة أشهر. كان المَلَكِيُّون، الذين يعتقدون أن الأمير تشارلز كان على حق، أقلية يائسة منذ البداية. كانوا، كما أظن، متناقضين بحكم طبيعتهم. علاوة على ذلك، ادعى أحدهم أنه ابن شقيق نراد تشودري[1]. وكان الموالون يؤمنون بالنُبل والنُهام وباربرا كارتلاند[2]، وكانوا صاخبين في حججهم وينتصرون دائمًا.
كانت الزُمر مختلطة اليوم، حيث بكى الملكيون في حيرة لـ دودي فايد[3]. وكان هناك حضور مختلط من مشاهير المجتمع والنجوم في مسلسل الميلودراما عن حياة الأميرة.
دوما، اِدَّعَيْتُ الحيادية رافضة أخذ الرياضة على محمل الجد. ألم أكن أعاني أنا نفسي من المشاكل؟ فأنا لست جميلة، وكرهت دائمًا النساء الجميلات. إنهن مُعْتَدّات بأنفسهن، متعذر إِرْضاؤهن، محبات لذواتهن، ومع ذلك، بطريقة ما، يتمكنون دائمًا من الحصول على كل شيء. أعتقد أن زوجي الأول لم يكن ليتركني لو كان جمال ما في عيني. بصراحة، لم أستطع أن أفهم لماذا وجدني أناند (الرجل الذي أحبه) حبا لا يقاوم. إنه قال بأن جمال عيني جعله يقع في حبي، وقال لي ذلك مرات حتى صدقته في قوله.
كان من المقرر أن أتناول العشاء مع حبيبي في تلك الليلة، ليلة ماتت الأميرة ديانا. تناولنا العشاء في مطعم إيطالي جديد وتعاطينا قدرا كبيرا من الخمر. أعترف أنني كنت أترنح قليلا عندما غادرت. ذهبنا في جولة بعد ذلك، وكنا نتسكع بلا هدف لفترة من الوقت، حينها واجهته بشأن حالته الزواجية. قال بعد تردد للحظة: "لم نعد معًا في الواقع". وتابع بعد بضع دقائق أخرى من الدراسة المتأنية: "يمكنك القول إننا لم نكن معًا أبدًا". "إنها لا تفهمني، ولا تستطيع أن تدرك حوائجي. "شعرت بموجة من الغثيان بداخلي، لم أكن متأكدة مما إذا كان يتحدث عن الطعام أو عن ماذا؟ ثم عدنا إلى شقته ومارسنا الحب المثالي. إن الحزن بعد الجماع جيد جدًا، ولكن بعد أن أشعل سيجارة وأسال الواقي الذكري في المرحاض، قام أناند بتشغيل جهاز التلفزيون وانفجر في البكاء. ثم تنهد وقال كانت امرأة وحيدة أحببتها حقًا، ولكنها الآن ميتة!
لقد كنت أجدها دائمًا في غاية الجمال، ربما كنت غيورًا فقط. من الغريب أن يكون أحد كاملا. وأضاف قائلا بأن الرجل خنزير، كيف يمكنه أن يخونها هكذا؟
تساءلت بصوت منخفض، أي رجل؟ ثم سألته عما إذا كان قد أحب زوجته، فقال لا، ثم نعم، ثم بدا أنه قال: ربما.
إنها امرأة عطوف القلب، كانت تبكي طول النهار للأميرة ديانا ...
حسنًا، لا أسرد القصة بالتفصيل، لكن هذا ما أدى إلى شجار فظيع. ورفضت مساعدته لأن يوصلني، اتصلت هاتفيا بسيارة الأجرة للحصول على سيارة أجرة متميزة بالأسود والأصفر، والتي أخرجت صوتها باستياء طوال الطريق إلى المنزل. وفي المنزل، في سريري الآمن، اتخذت القرار. لن أقع في الحب مرة أخرى. بعد اتخاذ القرار، تناولت موزا وكوبا من الحليب الساخن وذهبت إلى السرير. والقنوات التلفزيونية كانت لا تزال تبث الخبر عن الأميرة. وكان برنامج حواري يتمحور حول صورة للأميرة ويلز جالسة بمفردها على لوح رخامي أمام تاج محل. كانت قد زارت ضريح الحب عام 1992 في زيارة رسمية. سأفسر الصورة بأنها تعبر عن الوحدة، كما أعلنت المحللة النفسية ذات النظارات على الشاشة بشكل جازم. نادراً ما يعرف الأشخاص الذين يؤمنون بقصص الحب كيف يحبون. إنه مثل إدمان السكر أو شيء من هذا القبيل. في النغمات النصفية الغريبة بين الغفوة والأرق، أدركت أنه كانت هناك أميرة بداخلي أيضًا. كل شخص لديه حكاية خرافية بداخله تنتظر الخيانة والغدر.
* كاتبة هندية ومديرة مؤسِسة لـمهرجان جيفور للآداب، الهند. لها عشرون مؤلفا في الموضوعات المختلفة بما فيها القصة القصيرة والرواية والمسرحية وغيرها.
** أستاذ مساعد ورئيس قسم اللغة العربية، كلية ايتش. بي. التابعة لجامعة بردوان، الهند.
[1] كان كاتبا هنديا مقيما في بريطانيا.
[2] روائية انجليزية وجدة للأميرة ديانا
[3] منتج سينمائي مصري ونجل الملياردير محمد الفايد. كان حبيبا للأميرة ديانا، توفي كلاهما في حادث سيارة في باريس، فرنسا.