الفتاة الهندية
(القصة الفائزة بالجائزة الثانية في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
عطاء الرحمن *
صباح جميل يشرق النهار ويتبدد الظلام بنور الشمس، ولكن تختلف قضية الإشراق والظلام في حياة الإنسان بناء على ما يجري في حياته. اليوم قد انجلى الصبح في أسرة ميناكشي ببهجة وسرور لأن أباها يكاد يلاقي خاله في قرية مجاورة، ويقدم خطبة نكاحها مع ابن سيد القرية ولكن يختلف الأمر بالنسبة لميناكشي، لأن صباح اليوم إما تكون لها بداية أحلامها التي تراها بالعينين اليقظتين، وتلج باب مستقبلها إن نجحت خطتها في الفرار من المنزل، أو تكون حافة القبر التي تنام فيها للأبد إن فشلت في مشروعها الخطير.
كانت تتكلم هاتفيا مع صديقتها بصوت منخفض لكيلا يتناهى صوتها إلى أذني من هو في فناء المنزل، اليوم يخيم الفرح والابتهاج في منزلها بسبب خطبة زواج ميناكشي ولكن في قلبها اضطراب شديد، لأنها لا تريد أن تتزوج وتقتل أحلامها، فقد كانت تريد أن تتعلم وتتقدم إلى الأمام دون أن تنظر إلى الوراء، وكانت تتمنى أن تطير في الفضاء، وتصعد إلى علياء السماء، ولا تريد الزواج في هذا العمر الصغير، فوضعت الخطة للفرار من المنزل ومغادرة القرية إلى المدينة الكبيرة التي توجد بها مدارس كبيرة، وكليات شهيرة، ومباني شامخة وشوارع مزدحمة وطموحات عالية تتعلم فيها في الكلية وتعيش الحياة كما هي تريد.
إنها الآن بنت الثامن أو التاسع عشر وكانت جميلة ذات الشعر الطويل باللون البني، وعينين واسعتين، وكانت قوية البدن عالية الهمة، وكأن لديها قوة تغير مجرى التاريخ وتكتب تاريخها بقلمها.
اليوم كانت لديها الفرصة للفرار من المنزل منذ الصباح إذ كان جميع أعضاء الأسرة مشغولين بأعمالهم في الغرفة وخارج البيت، وما كان هناك أحد في فناء المنزل، فوجدت ميناكشي الفرصة للفرار، وانسلت من المنزل، ووصلت إلى موقف الحافلة، بعد أن ركبت الباص بدأت تفكر أنها ستصل إلى مدينة أحلامها بسلامة وأمان، ولا تواجه أي مشكلة هنا، ما كانت تعرف ماذا ستكون نتيجة هذه الخطوة ولكنها لا تبالي بالنتيجة، فقط كانت مهووسة بالتقدم إلى الأمام في حياتها، لتعيش حياتها حسب رضاها، دارت هذه الأخيلة في ذهنها والحافلة تتحرك بسرعتها، وما لبثت أن توقفت الحافلة فجأة، من هؤلاء الناس؟ ومن يبحثون عنه؟ لماذا يوقفون الباص في الطريق؟ أصغت ميناكشي أذنيها حتى أعلن السائق "يتفحص سيد القرية "رانا مزرعه" عن أحد الأشخاص مع رجال عصابته" فخفق قلبها خفقاناً، وأطلت إلى خارج النافذة وصرخت صرخة شديدة كأنها رأت عفريتا وأحست أن موتها يدنو منها بسرعة، كان أبوها واقفا بجنب الباص، ومعه رجال أقوياء، مستعدين للتضحية بأنفسهم تحت أمر له.
كان هناك اضطراب وشغب حول القرية، اضطرب الأمر وأصبح الفضاء مشوشا وبدأت ميناكشي ترى الموت أمامها، إذ كاد الظالمون أن يطلعوا على الباص، ولكن سترها السائق قبل دخولهم في الباص خيفة من موتها ورحمة عليها، حتى يسمح للباص بعبور حدود القرية. فتنفست الصعداء، وتحول جو السرور والحبور في منزل ميناكشي إلى جو من الحزن والمأتم، حتى تمنت أسرته أن تقتلها.
وصلت ميناكشي إلى المدينة ثم قررت أن تسافر إلى مدينة أخرى كي لا يعثر عليها أحد من أعضاء أسرتها، أو تقبض عليها الشرطة، وهي تعلم علم اليقين أنها ستُقتل لو أدركها والدها أو أحد من رجال الشرطة.
ومضت ثلاثة شهور في المدينة.
الآن هي في بيت مع شاب أعجبت بها، بل وعشقته عشقا جما، وتعيش معه من دون الزواج، أخذت نفسا طويلا مستعرضا خارج النافذة. تشرق المدينةََ الأنوارُ المشعة من بيوت ومكاتب المدينة وأضواء الشوارع، كانت هذه مدينة كبرى ومدينة آمالها أحلامها التي حلمت بها دائما، هي تتعلم في الكلية الشهيرة وتقوم بالأعمال الحرة في أوقات الفراغ، وتسكن على الأجرة مع صديقها وتنفق على نفسها مما تكسبه. كأنّ القدر كتب لها السرور في حياتها كما هي تريد وكل شيء يجري على ما تتمناه.
كان صديقها لوكيش شابا وسيما جدا في الكلية، لقيته ميناكشي قبل الامتحان نصف السنوي، ثم أصبحا صديقين، وتولد الحب بينهما كما يتولد الحب بين شاب وشابة عند تكرار اللقاءات، وتمر الأيام ويزداد الحب ويتعمق، وأصبح عشقا وغراما وهوى، حتى ما بقي بينهما أي ستار، وأخذا يسكنان معا من دون الزواج.
ولكن إلى متى ستستمر هذه العلاقة غير الشرعية؟ المرأة تبحث دائما عن أمان ومرساة ترسو إليها سفينة حياتها، والرجل لعوب بطبعه يحب الحرية، بدأت ميناكشي تطالبه بالزواج، ثم أخذت تلح عليه، وهو الآخر لا يريد أي قيد آتٍ من الزواج، ونشأت الخلافات بينهما، واحتد الخلاف والنزاع، فأرادت أن تبتعد عنه لكيلا تشعر بحرارة حبه وعشقه، ولا تنام على راحتيه وكانت هذه حيلة لإجبار لوكيش على الزواج.
ذات يوم سمعت حركات قدميه فجأة فحاولت أن تبتعد عنه ولكنه كان واقفا أمامها ولم تستطع التحرك الآن. وكان في يده "لوحة المعذرة" وفي الأخرى عِقد من الذهب. وقال بحب: "إليك يا حياتي، ما الذي أغضبك مني، سنتزوج قريبا، أصبحت ميناكشي عاطفية وعانقته بشدة حتى اهتزت مشاعرهما وازدادت حرارة أنفاسهما، وكادا أن ينتقلا إلى العالم الآخر. وفجأة أخرج لوكيش سكينا حادا من "لوحة المعذرة" وغرزه في ظهر ميناكشي فصدرت من فمها زعقة شديدة نشت الآفاق من وهجها المستطير وقال يا وقحة! أنت عرقلة في طريقي، لا أحتاج إليك الآن، نامي الآن بسكون إلى الأبد وهدأت جثة ميناكشي ساقطة على الأرض.
**********
* طالب في البكالوريوس، قسم اللغة العربية، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند.