زوج فقير
(القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الثانية في الفئة الأولى، فئة الدكتوراه في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
ماريا مشتاق *
عالية فتاة من عائلة متوسطة تكسب القوت قدر ما يسد الجوع، وهي شديدة الذكاء ومعروفة بإصابة الرأي وذات العقل السليم، وتنجح في صفها بالدرجة الأولى بذكائها، وفطنتها، وعلمها، وبراعتها، وتعتز ببراعتها الرفيقات في الصف، ومن عاداتها أنها تذهب كل يوم إلى مكتبة الجامعة بعد الفطور لكي تطالع هناك بهدوء.
ذات يوم ذهبت عالية إلى المكتبة، وكان النهار شمسه باردة وهواءه صافياً، وفي وقت الغداء شعرت بالجوع، فذهبت إلى الخارج وجلست في فناء المطعم تحت أديم السماء على أحد الكراسي المصنوعة من الآجر واللبن، وطلبت البيزا والشاي من صاحب المطعم، وبينما كانت تنتظر إذ نادى بها النادل وقدم إليها مطلوبها، ودفعت إليه خمسين روبية، وبقيت لديها خمسون روبية للعودة إلى البيت، وبدأت تتناول البيزا بنهم شديد، وما إن تناولت عدة قطعات من البيزا حتى نزل غراب كالصاعقة على الطاولة فجأة وطار بالبيزا، فامتلكتها الدهشة، وبدأت تتعجب وتندهش، كادت لا تصدق أن ما حدث معها صحيح: الغراب سلب منها البيزا، فانهمرت من عينيها الدموع من شدة الجوع، ولم تبق لديها النقود الكافية تشتري بها ما يسد جوعها، وبدأت تذكر أباها الحبيب الذي انتقل من دار الزوال إلى دار البقاء قبل عدة أشهر، وأصبحت يتيمة الأب، وعادت بدون سند، وكانت تشعر بحزن ثقيل ينوء به قلبها وما إن تركت كرسيها حتى وصل فتى إليها وعندما رأى على وجهها أمارات الكآبة والحزن فسألها الشاب عن سبب حزنها.
فأجابت: هذه الدنيا ظالمة جداً.
ولكن كيف؟ وما هذه اللغزة أيتها السيدة؟
تنفست الصعداء وقالت: أعداء البلاد قتلوا أبي الحبيب في اضطرابات طائفية وحرّقوا بيتي وبيوت الآخرين وأضاقوا علينا الدنيا، وأصبحت الدنيا مظلمة أمامي، وأنا بقيت وحيدة لا سند لي سوى أمي.
عاد الشاب عند الساعة الخامسة إلى المهجع، وعندما ساد الظلام بدأت الوحدة تهدده، وبدأ الشعور بالغربة يقلقه، ولما تأخر الليل عادت إليه ذكرياتها، وجعل يسترجع كل ما دار الحوار معها، وبدأت ترن في أذنيه كلمات قالتها الفتاة، فجعل يرددها في نفسه: "هذه الدنيا ظالمة جدا، أعداء البلاد قتلوا أبي الحبيب في اضطرابات طائفية وحرّقوا بيتي وبيت الآخرين وأضاقوا علينا الدنيا، وأصبحت الدنيا مظلمة أمامي، وأنا بقيت وحيدة لا سند لي سوى أمي".
استغرق حمدان في التفكير العميق، وتملكه الحزن الشديد، وجاش قلبه بالحب لها فاتصل بها فجأة فبدأت ترن نغمة الرنين "يا إلهي أمد يدي إليك وأطلب منك الفضل والكرم والمنة والنعمة"، وبدأ رقم حمدان يسبح على شاشة جوالها، فتجاهلته ولم ترد، ولكن حمدان استمر بالاتصالات، فانزعجت الفتاة وحجبت رقمه.
أصبح حمدان مستاء من هذا الوضع المقلق، وبات على أحر من الجمر، وثارت غيرته بسبب التجاهل. فطار نومه، وجعل ينتظر الصباح بلهفة، ولكن طال الليل، وعندما أذن المؤذن لصلاة الفجر تفاءل به.
ووصل حمدان عند الساعة العاشرة إلى الكلية، ولم يحضر في المحاضرة، بل ذهب إلى المطعم بحثا عن عالية، ولكنه لم يجدها، فثارت في نفسه وساوس كثيرة، ربما لا تحضر عالية اليوم؟ ربما تأتي عند الساعة الثانية؟ فبقي منتظرا هنا، وفجأة وقع نظرها على فتاة جميلة خرجت من قسم العلوم الشرقية محجبة من الرأس إلى القدم بالثوب الأسود، اقتربت الفتاة منه وسلمت عليه، ورد عليها السلام، وسألها: لماذا لبست هذا الرداء؟
فأجابت: لأن هذا اللباس زينة الفتاة، والفتاة درة يجب أن تكمن لكي تبقى محفوظة من شر العيون، كما كتب الكاتب الهندي سعادت حسين منتو" الفتاة الأجنبية في نظر جميع الفتيان كلحم طري مكشوف في دكان الجزار وينظر إليه الكلب طمعا فيه لكي ينهش منه عندما تسنح له الفرصة".
فاهتز حمدان فرحا لفكرتها السديدة البناءة، وبدأ يقدم إليها المعذرة، وقال سامحيني على إزعاجك البارحة، لم أستطع تمالك نفسي فلذا اتصلت بك كرارا ومرارا، ولكنك لم تردي علي.
كيف أرد عليك في الليل المتأخر؟ كانت أمي تنام في نفس الغرفة.
وسألها الشاب عن عنوان بيتها وجاءت به إلى بيتها وطلب من أمها يدها، ولكن عندما اطلع والدا حمدان على قصة وقوعه في حبها غضبا منه غضباً شديداً، ورفضا تزويجه منها لأنها بنت أم فقيرة لا تملك من المال شيئاً، ولا تملك عقارات، ولكن حمدان ألحَّ على الزواج منها، فقال الوالد: موتك خير من بقائك على قيد الحياة، لأنك تدس اسم العائلة في التراب لو تزوجتها، ولكن لا أستطيع أن أقتلك، فأنا أطردك من بيتي، وليس لك من ثرواتي وعقاراتي نصيب.
فغادر حمدان بيت أبيه وليس لديه إلا بذلة على جسده، فاكترى بيتا في المدينة، بعد الانتهاء من المحاضرات يعمل سقاء يبيع الماء متنقلا في الدروب.
**********
* باحثة في قسم اللغة العربية، بجامعة عليجره الإسلامية، ولاية أوترا براديش، الهند.