ضيق القلب
سمية رياش
------------------
رأت سيارات متحركة على الشوارع وكانت هائمة فى الخيال البعيد، وسرحت إلى الأيام الماضية التى عاشت فيها عيشة رغيدة معه.
سمعت ضوضاء فى الأروقة، ورأت فى السماء نجوماً متلالئة تزين السماء، وتدور حول الرياض الجميلة الخضرة وتهيم فى الفكر العميق.
سمعت أبواق السيارات وشعرت بتضيق القلب وجلست فى وسط الطريق.
ثم وقفت ومشت فى سيرها وكانت غارقة فى ذكريات الشخص الذي ساعدها على تحقيق أمنياتها وجعلها شخصية فذّة حتى أصبحت من الذين كانوا يعرفون بين أدباء الغرب والشرق.
أين أنت يا ملاذي؟
وكانت عيناها تفيضان دموعا، وداهمها القلق والاضطراب، وكانت تحتاج إلى من يعطف عليها و لكن من يعطف؟
قد رحل الذى عطف عليها دائماً.
و آنست صوت الرجل من بعيد..... كأنها تحلم.....
لا تقلقى يا قلبى !
لن يترك ربك وحدك.
ولكن أنا أصبحت وحيدة فى العالم. أجابت....
ألم تقرأي؟ .... إن الله مع الذين اتقوا.....
أنا تلوت الآية مراراً ولكن لا أجد من يؤانسني!
طمئني قلبك ولا تقنطى من رحمة الله، ألم تسمعى منى هذه الآية: " لا تقنطوا من رحمة الله".
نعم!
أجابت وغرقت فى فكرٍ عميقٍ كأن البحر يموج إلى أقصى حدّ لا يُرى أى شيئ....
تنفست......
وشمت ريحه كأنه يقرب منها و ابتهجت ولكن فجأة اكفهر وجهها سواداً.
ثم أحست بوجوده وتبسّمت وحاولت أن تنبس بكلمة .... وتلعثمت....
هل من شخص؟
أنا....
من أنت؟
أنا، من أضاء الطريق أمامك ومهد السبيل في خضم العراقيل والعقبات....
وقربت أذنيها....
هل هذا يمكن؟ سألتها نفسها.
لا! أجاب ضميرها....
فما الصوت الذي سمعته....
لا تحسّى لوحدك يا أمنيتى !
كيف و أنا لا أجد من يسلّينى؟
هل لا تصاحبى أطفالك و أمك و زوجك وأخواتك و إخوانك ؟ سمعت السؤال....
إى و ربىّ !ولكن من يعطف بى مثلك؟
هل أنا فى قلبك؟ سألها.....
نعم !و من فى قلبي غيرك ؟ أجابته....
ألا تعرفين " فاذكرونى أذكركم"....
من أنت و لماذا أنت تنصحني و أنت قد رحلت عنى؟
ألا تعرفينى؟
أنت تلحُّ عليَّ السؤال....
غضبت و سخطت ..... و سارت فى مشيها....
سارت .... و قد تعبت .... ولا تجد أي مكان تريح فيه .... و كانت غارقة فى ذكريات الزمن الماضي الذى كان أرغد من زمن الحال .
كانت تعيش معه عيشة سعيدة بدون أن تشعر بهم أو قلق حينما كانت تواظب على المشاغل اليومية و تركز على القراءة و الدراسة و تزور الأسواق كل مساء.....
لا حزن و لاغم ولا هم فى حياتها. وأصغت أذنيها إلى أحاديثه و تنصت و تحس بأن الحياة سعيدة مرحة خالية عن الغم و الهمّ.
ما أجمل الحياة و ما أجمل الكون يا راحة قلبى !
رفعت صوتها و وهزت رأسها كما تهتز أمواج البحر.
هل لا ترى فى خلق الكون و السماء مرتفعة والأرض مسطحة والجبال الراسيات بين مدينة طائف و مكة فى رحلة عمرتها. هل تفكر فى خلق السماوات و الأرض؟ سألته.
و كان ينصت لها و يفرح كالطفل بين أحضان والدتها.
أنا دائم التفكير و أحمد الله على نعمه الجزيلة التي و هبني إياها مثل حبّك الخالص.
و أتمنى أن تكوني سامية كسمو السماء و أن تتصلبي كالصخر و أن تثبتى كالأرض فى كل مجالات الحياة.
و سوف أحقق أمنياتك .. أجابت....
و توالت الأيام.....
كانت تحاول أن تصل إلى أوج الثريا فى ميادين العلم.
كانت تسهر الليالى لدراساتها العليا و تواظب على المشاغل اليومية و تتعب نفسها فى....
و مضت سنوات.....
تحدق فى بهو البيت الواسع و تغرق فى التفكير ... ثم و قفت ... سمعت رنين الجوال و تفكر من سيكون و فرحت برؤية اسمه على شاشة الجوال.
أنا حققت أمنياتك يا من لم تبخل علىّ بنصيحة أو بكلمة مفيدة !
و ماذا ... تلعثم .... واهتز .... كيف .... ثم تلعثم و سأل:
ماذا فعلت يا قرة عينى؟
ألفت الكتاب .... أجابته.
الحمد لله على ما وهبنى من نعمه الجزيلة ... وتوجه إلى سجدة الشكر. وقال: سوف اهتم بنشرها....
و تتابعت الأيام.....
و تاق لزيارتها فى الأيام القادمة و اندفعت حرارة حبّها و حنينها إلى الرجل الشفيق و اعتادت نفسها للقاء و كانت تنتظر إلى أن جاء يوم الفرح و البهجة....
ماذا حدث .... و كانت تسأل من شدة حزنها و بكائها .... والدموع تهطل من عينيها دون توقف....
و كانت تصرخ بشدة اليأس و توكل على الله أنه لا يتركها بدون الدعم....
و كانت تقضى أيامها الكاملة فى الدعاء .... ولا تقنط من رحمة الله ....
ثم جاء يوم الندب لم يكن البشر بدون لمسه....
صرخت بشدة اليأس و تعولت كنبح الكلاب و تعيد إنا لله و إنا إليه راجعون....
هل هذه الحياة جميلة بدونه ؟ تسأل نفسها....
نعم !هذه مشية الرب . ألم تقرأى :" كل نفس ذائقة الموت"؟
سألها ضميرها....
أنكرت و غضبت و قالت : هذا مستحيل .... أنا لا أتركه....
كيف و أنا ملتصقة بحبّه العميق .... كانت تسأل نفسها .... والناس يسلّونها ولا تنبس بكلمة و تحدق فى جوانبها دون كلمة و تنكر مشية الله.....
و هكذا مضت الشهور .... حتى جاء يوم زيارتها إلى طريق المدينة المنوّرة فدارت فى عينيها المناظر الخلابة بين اطياف وادئ الجنّ فى رحلة المدينة كأن الجبال تتمايل و الأشجار تموج و أمامها سماء الشفق كأنها تأخذها بين أحضانها و تتعاطف بعضها ببعض فأحست بالراحة ولكن فجأة قفز تذكار مشفقه إلى قلبها و شعرت بتضيق القلب....
وكانت السيارة تتحرك و هى جالسة بدون حركة .... و يئست من الحياة ... و غرقت فى تلاوة القرآن الكريم حتى جرت الآية على لسانها :" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون".
فعادت بهجتها و قالت الحمد لله ولو كانت تعانى من تضيق القلب فى كل لمحة...
۞۞۞