النصيحة
(القصة الفائزة بالجائزة الثالثة بالمناصفة في الفئة الثالثة، فئة البكالوريوس، في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
محمد منتظم *
في إحدى قرى مقاطعة بيغوسراي بولاية بيهار كان ولد اسمه حسن بالغ من عمره خمس عشرة سنة. وكان يدرس في الصف العاشر. ولم يهتم بدراسته. كان يضيع معظم أوقاته في لعب الكريكت. كان ينحدر من أسرة فقيرة. عمل والده في شركة في كولكاتا. وكان مُعيل أسرته الوحيد. كان حسن أكبر بين أخويه وأختيه. أراد الوالد أن يمنح لأولاده مستقبلا مشرقا.. لذلك نصح ابنه حسن دائما بأن يركز على دراسته. ولكنه هو الآخر لم يهتم أبداً بنصيحة والده واستمر على عادته في اللهو واللعب. وأخيراً أخذه والده إلى كولكاتا وجعله ينضم إلى الشركة ليعمل معه. ولم يمض شهران حتى مرض الوالد، ولكنه استمر في عمله لأنه لم يكن أمامه خيار إلا أن يعمل ويعيل أهله. بدأت حالة والده الصحية تتدهور يوما بعد يوم.
ذات يوم أصيب والده بألم شديد في البطن وساءت حالته بشكل خطير، وخاف حسن خوفاً شديداً. وأدخله في المستشفى القريب. فحصه الطبيب ونصحه بإجراء بعض الفحوصات، وبعد أن ظهرت نتائج الفحوصات أخبر الطبيب حسن بأن والده يعاني من مرض السرطان في المعدة، ونصحه بأن يدخل والده في مستشفى تخصصي لعلاج السرطان. لقد صدم حسن بشدة. ولم يكن لديه مال كافٍ ليدخل والده في المستشفى الكبيرِ. فقلق قلقاً شديداً ولم يدرِ ما يفعل. جلس حسن بجانب والده المريض واستحضر كل نصائح والده، وكانت عيناه تفيضان بالدموع. أدرك حسن الآن لماذا كان والده ينصحه دائماً بالاهتمام بدراسته. تذكَّر أن والده كان قد قال له: اعلم يا ولدي إن لا تحترم الوقت فإنه لا يحترمك. ولا فائدة من الحسرة والندم الآن. حاول كل ما في وسعه لعلاج والده ولكن لم يُشف والده. وأخيراً أخذ والده إلى قريته. توفي والده بعد صراع مريرٍ مع المرض ومعاناة شديدة واجهها خلال المرض الذي هدد حياته. وكان والده كل شيء بالنسبة له. فخسر كل شيء بوفاته. وانهارت الدنيا كلها أمام عينيه، ترك والده في ذمته مسؤولية كبيرة وهي كفالة الأسرة بحكم كونه أكبر الأولاد. والآن أصبحت حياته صعبة للغاية ومليئة بالمعاناة والشقاء بعد وفاة الوالد. واضطر إلى أن يعمل لسد رمق أسرته. تعهد حسن بأن يمنح أخويه وأختيه المستقبل المشرق الذي أراده والده لهم جميعاً. وكرس حياته لأسرته واستمر بالعمل ولم يدخر وسعا في تعليم أخويه وأختيه من أجل تأمين مستقبل مشرق لهم كما تمنى والدهم لهم، فهو وإن لم يستطع أن يحقق حلم والده إزائه ولكنه يستطيع الآن أن يحقق الحلم ذاته لشقيقيه وشقيقتيه، وقد صدق كونفيوشس: "العاقل يخجل من عيوبه ولكنه لا يخجل من إصلاحها" وقال الإمام علي (رضـ) "العاقل من وعظته التجارب".
**********
* طالب في السنة النهائية من البكالوريوس، مركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.