في ولاية أوترا براديش بالهند، غابة صغيرة، ويسميها الناس "قرية الوحوش"، وكان ملكها أسدا يسكن فيها مع الثعلب والكلب والنمر والقط والديك، والحيوانات الأخرى، إنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والأشجار والأعشاب صباحا ومساء، وهكذا تعايشوا على الحب والرفق والألفة، وكان في وسط القرية كوخ ويجتمعون فيه كلهم ويدعون ربهم ويناقشون أمور السياسة والاجتماعية ونظام الحكومة المحلية.
وفي ناحية أخرى، في الغابة بيتان تسكن فيهما شاتان نحيفتان تعيشان على الأعشاب الخضراء، وتعبدان الله وترضيان بما يتيسر لهما من القوت والرزق ولا تشركان به أحداً، وطعامهما وشرابهما يختلفان كما تختلف حضارتهما وثقافتهما من حيوانات الغابة الأخرى.
ذات يوم، خرج الأسد يتنزه مع رفاقه الكلب والأسد والنمر والقط والديك ومشوا هنا وهنا وحكى لهم الثعلب قصصا فكاهية، وكلهم يقهقهون حتى وصلوا إلى نهاية قرية الوحوش، فنظروا إلى الشاتين اللتين كانتا ترعيان الأعشاب وأوراق الأشجار التي يؤمنون بها، فأخذ ينظر بعضهم الى بعض متحيرين لأنهم لم يروا في الغابة هذا المنظر من قبل، فظهرت عليهم آثار الغضب والحزن، وسكتوا برهة ثم سأل القاضي الثعلب من الأسد، مالي أرى على وجهك آثار الحزن؟
فقال الملك يؤلمني أن الحيوانات الحقيرة الفقيرة تأكل ما نعبدها ونسجد لها. فأجابه أصحابه: طبعا، أنت على الحق يا أيها الملك العزيز إن حضارتنا وثقافتنا مختلفة من هاتين الشاتين، علينا أن نتخلص منهما.
الثعلب: نعم، يا سيدي العزيز... لنحقق في هذه الحادثة، لكن علينا أن نسكت الآن، ونلتقي بهما مبتسمين لئلا تظهر على تلك الحقيرة آثار الغضب والحسد.
واتفقوا على رأيه، ثم وصلوا إلى كوخ الشاتين.
فقال الملك: طال عمركما يا أختاي العزيزتين كيف حالكما؟ من أي غابة جئتما؟ الشاة الكبيرة: الحمد الله بخير وعافية، وكيف أنت يا ملكنا؟ عاش الملك بخير ......
الشاة الصغيرة: جئنا من غابة سوندربن من ولاية بنغال قبل زمان، أسرتي ماتت، ونحن نعيش هنا معاً.
فقال الملك مغادرا بيتهما: سَهّّل ربكما حياتكما وأطال عمركما.
عاد الملك مع الأصدقاء إلى بابه، وأخذ وا يتشاورن فيما بينهم.
فقال الملك: يجب عليكم أن تهجموا عليهما حتى تقتلوهما وتتخلصوا من الشاتين الحقيرتين، وإياكم أن تظهروا اسمي أمام الحيوانات لئلا تظن أنني ظلمت الضعيف.
الكلب: سمعاً وطاعة يا ملكنا العظيم، نحن طوع أمركم.
فلما انتصف الليل، نام الملك، وسار الثعلب والكلب والنمر والقط والديك حتى وصلوا إلى بيت الشاتين، ودقُّوا الباب ففزعت الشاتان واستيقظتا، وفتحتاه وسألتاهم، من أنتم؟ فقالوا: نحن أصحاب الملك فجئنا إليكما لأن حضارتكما وثقافتكما مختلفة عن حضارتنا وثقافتنا، أنتما تأكلان الأعشاب وأوراق الأشجار ونحن نعبدها ونسجد لها، فلا يحق لكما أن تعيشا في هذه القرية،
قال الكلب: لديكما خيار أن تتوقفا عن أكل الأعشاب وأوراق الشجيرات أو المغادرة من الغابة.
الديك: لنغفر لهما لأنها من قومنا وكل منا حر، وله خيار أن يأكل ما يشاء، ولنفهم ملكنا أنهما من رعيتك، ما رأيك يا أخي الثعلب؟
الثعلب: إياك والملك، ليس لديّ رأي، لكن موقف نائب الأسد النمر هو موقفي.
النمر: كلّا، لا خيار ولا مفر، لحومهما لملكنا والعظم للكلب.
الكلب: أسرعوا أيّها الرفاق لكي أظفر بقطعة من اللحم أو العظم أكلها، فإنني جائعٌ جدا.
فقالتا: تلك الأعشاب والأوراق قوتنا وعلفنا ونحن نعتمد عليها، لكننا سنعمل كما تريد ونترك هذه القرية صباحاً، فاعفوا عنا.
ثم بكت الشاتان وصاحتا صيحة عالية وظهرت على وجههما آثار الخوف من الموت.
فصاح الديك، ونبح الكلب وماء القط وزار النمر وهجم الجميع عليهما جميعا وقتلوهما شر قتل، وأتوا بلحهما إلى الملك، وعادوا الى باب الملك، فأكل وترك بعضا من اللحوم للنمر والثعلب والكلب وشبعوا ورجعوا إلى بيوتهم.
فلما طلعت الشمس وانتشر النبأ أن الملك قتل شاتين لأنهما كانتا تأكلان الأعشاب. تظاهرت الحيوانات من الفيل والبقر والثور والعقرب مع أصحابها ضد الملك أمام بابه. ثم جاء الملك أمام الحيوانات.
وقال: أنا حزين جداً، لا أعلم ما حدث في الغابة لكنني أنا بريء من هذه الجريمة، وأعدكم بأنني سأعاقب المعتدين، ولست من الظالمين، فالآن أفوض مسؤولية التحقيق في هذه الحادثة إلى القاضي الأمين الثعلب، وأؤكد لكم أنه سيحكم بالعدل ويعاقب القتلة، والرعية كلهم سواسية في ملكي، لا أظلم أحداً.
بعد أيام، دعا القاضي الحيوانات إلى جلسة عامة وقال فيها: إنني قمت بالتحقيق في القضية، ولكنني لم أجد بعدُ أي شاهد عيان. هل رأى أحدٌ منكم هذه الواقعة بأم عينيه عند حدوثها؟
الفيل: لا، (خرج مغمغما من المجلس لأن عداوة الصديق وحيلة الثعلب أخطر شيء في الدنيا).
الثعلب: نعم، لم يحصحص الحق في القضية، حيث لم يتقدم أي شاهد عيان في الجريمة، فلم تثبت الجريمة بحق ملكنا، والملك عادل، يعامل جميع رعيته من الحيوانات بالسواسية، أطال الله عمر الملك!