أمٌّ في وادي تشيناب
(القصة الفائزة بالجائزة التشجيعية الأولى في الفئة الأولى، فئة الدكتوراه في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة 2022 التي عقدتها مجلة قطوف الهند)
سمية كوثر *
نهر تشيناب (Chenab) المتدفق والعميق الذي يجري بين الجبال العالية والوديان الخضراء بكل صمت وهدوء، يكون من الحلم لو تقوم في وسط النهر على سفينة طافية، وترى بأم عينيك الجنة نزلت على الأرض، الجبال شامخة متعالية مغطاة بالثلوج، وعليها قصور تجري من تحتها الأنهار، أو تقول أكواخ يسقط عليها الثلج، المنظر الأبيض يخطف أبصارك.
الناس يعيشون بمحيط تشيناب بسعادة، ويقع على طرفي النهر مسجد ومعبد يزيدان من جمال الطبيعة.
ومن هنا على بعد ستة أميال تقع مجموعة سكانية تصل إليها طريق صغيرة تحفها أشجار ذات أثمار جميلة وأزهار عطرة لن يمحو مرور الدهر هذا الطريق من ذكرياتي، كنت أمشي عليها صباحا ومساء، لأنها كانت الطريقة الوحيدة إلى مدرستي، ربما أمسك بفقاعة الجليد في الصباح وأقتطف الأزهار في المساء.
كثيراًً ما يصاحبني في هذا الطريق إلى المدرسة ولد تربيه أم حنونة صابرة، هاجرت إلى هذه القرية من قرب تشيناب. وأحبت القرية وأهلها. كما أنها أحبت الأكواخ والطريق الوعرة، إنها كانت تعمل جاهدة لتكسب الأموال وتنفقها على ولدها، على طعامها وشرابها والرسوم المدرسية ليكون عونا لها في الكبر، وثم بعد أن مهدت الطريق وتحولت الطريق الوعرة إلى شارع، يوصل القرى النامية والواقعة على الجبال وبين الوديان المتنائية بالمدن، التي تعد مهدا للحضارة والثقافة، يقطع الطلاب إليها الطريق لتحصل على شهادات ويتثقف في جامعاتها وكلياتها، وهنا كان ماجد حصل على شهادة 10، وأرادت الأم الضعيفة أن يحصل فلذة كبدهاعلى ثقافة عليا، فبعثته إلى سري ناغاروهنا عاش ماجد حتى حصل على الماجستير، وأراد أن يعمل هناك، ولكن ماذا عن الأم التي بذلت كل جهدهاليكون هذا الولد بهذه المرتبة من الثقافة؟
هل فكر أبدا؟ بتلك العجوز التي مازالت تعمل وتكسب نيفا من النقود ليؤكد لها قوتا۔
العجوز تساعد نفسها وحيدة في منزلها وتصارع شؤونها حتى تسمع صوتا، شخص يقرع الباب.
من هو؟ هي تتقدم إلى الباب وتسأل بصوتها الخافت المرتعش وتفتح الباب، فإذا هو سائق البريد يجلب معه بريداً يقرأ: "أنا ابنك. الله أعطاني ولدا سميته باسم جدي..." فرحت ولمست الكتاب مرارا، وقبلته، لأنه كتاب الابن بعد طويل وبعد نفس عميق عادت إلى وحدتها.
كان لدى ماجد طفل جميل، اهتم بتربيته وأدر عليه أمواله ليثقفه حتى فاز في امتحان 12 بالدرجة الأولى بمدرسة في سري ناغار وتوجه إلى باريس ليواصل دراسته العليا.
ومضت الأيام، كل مشغول في عمله، ذات مرة رن الهاتف، ويسأل بصوته المتزلزل: نعم يا ابني، هل تعود إلى وطنك؟ لا...! بشرى لكم، لقد حصلت على الجنسية والوظيفة هنا، وانقطع الهاتف. وأخذ الجسد الضعيف يتكئ على الجدار وغرق في الذكريات العميقة وأخذ يمسح الدموع، وانطلق إلى قريته التي عاش فيها طفولته، ولم تستطع المدن وحضارتها أن تمحو ذكرياتها أو تقلل من روائها في عينيها.
وهذه المرة تلك القرية والشارع لم تكن أقل من الجنة. حيثما كان يشعر بالأمن والطمأنينة والحب والإخلاص، ويصل إلى كوخ مهدم، يحيط به أعشاب وأشجار ذات الشوكة، جاء الصوت: "من أنت؟" "عمي! أنا ماجد جئت لزيارة الأم. عمي! أمي كانت قد غضبت علي وحزنت على ذكرياتي لذا لم تفتح الباب؟ ولكن سوف أقنعها وأخدمها وأعيش معها طوال الحياة. عمي! تدمع عيناك!! هل أمي؟؟ هل أمي؟؟؟ لا لا لا." وقد جثا باكيا وسقط مغشيا على الأرض.
**********
*باحثة في الدكتوراه، قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة بنارس الهندوسية، فارانسي، الهند.