جريمة قتل مزدوجة
د. محمد أجمل *
حان وقت الظهيرة. فكرت أن أستريح لبضع دقائق فقط، ولكن تفاجأت بأن رنّ جرس الباب، فلم أتعرف بعد على أي شخص في هذا الحي الجديد الذي أتيته.
نظرت من داخل البوابة بمخاوف تساورني: "من يمكن أن يكون؟". كانت هناك امرأة محجبة.
"يا منى! افتحي الباب، أنا ساره"، لقد كان بالفعل صوت ساره، صديقتي الألمع في مجموعتي الجامعية، لكن لهجتها وأسلوب زيها كان مختلفاً تماما، الذي حال دون أن أعرفها.
قالت مرة أخرى: أنا ساره يا منى!، والآن لم يكن هناك شك، ففتحتُ الباب بسرعة، وتعانقنا جيدا وطويلاً.
"كيف علمت بمنزلي؟"
"رأيتكِ في اليوم الذي تم فيه نقل أمتعتك، ولكن بعد ذلك اضطررت للذهاب لبضعة أيام إلى منزل أختي الكبرى، المنزل الثالث من هنا هو منزل أخي".
"إذن أين منزلك؟" سألتها!
"ألا تأخذيني إلى الداخل؟" وهل تسألين كل شيء هنا على الباب"؟
اعتذرت إليها وأحضرتها إلى غرفتي، كانت هي مثلما كانت من قبل، نحيفة وأنيقة.
أما أنا، فأم لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثمانية وستة وأربعة أعوام، البطن والرقبة أصبحتا سمينتين، والوجه مستدير، راضية وسعيدة بإدارة البيت والاعتناء بالزوج والأطفال. ثم انشغلنا بالحديث.
"ذهبتن إلى بيوت صهوركن عقب نهاية دراستكن، لكنني حصلت على درجة الماجستير، ونلت شهادات دورات متقدمة في تكنولوجيا المعلومات، وانخرطت بوظائف، والتقيت بجميع الأنواع من الرجال والنساء في الحياة، ولكن هناك شيء غريب ..."
"يقولون إن النساء يتقدمن في كل مجال، لكن عليهن أيضاً أن يواجهن مستوى معيناً من المضايقات، لم أكن بحاجة إلى وظيفة، إذ كنت أعول على أخي، فتركت الوظيفة"!
إذن أنت تعيشين مع أخيك؟
لماذا لم تتزوجي بعد؟ "سألتها بسرعة!
"فكري! هل سأتزوج بنفسي"؟ إنها طريقة اليوم التي تتم فيها تسوية الأمور من داخلها ويضفي الوالدان الطابع الرسمي على الخطبة، عاشت وسائل التواصل الاجتماعي! عندنا ليس التقليد مثل هذا، اليس كذلك!
"فلماذا لم تتزوجي بعدُ؟" كنت ملحة في سؤالي عن عزوبتها!
"المهم أنني لست جميلة مثلك، كما لست ذات أناقة وإبهار ...".
كأنها تغني قصيدة!
"من فضلك لا تباشري مساجلة شعرية كما كنت تفعلين في السابق، قولي لي مباشرة ما هي المشكلة"؟
أصبحت سارة الآن جادة، "شوفي! هناك أيضا مستويات الجمال والوجاهة، حسن المظهر والوجه الجاذب، ودعيني أقول لك إن المظهر الجميل ليس له مستقبل قط"، كانت نبرة صوتها حادة مريرة الآن. "هل مظهري جميل أو على الأقل مقبول؟، بل ربما أنا قبيحة".
"لا تقولي هكذا، أنا لا أرى أي قبح في وجهك."
"أعلم أنه ليس لديك أخ وإلا ..."
صدمت، ثم غيرت الموضوع، قالت إنها الآن حرة وهي الآن ذاهبة إلى امرأة من أجل النطق الصحيح للقرآن وفهمه وتتعلم حكمة الدين والإيمان.
"يمكنك أن ترافقيني في وقت ما، يحلو لي الفصل كثيراً،
وبالمناسبة، يبدو أنه ليست لديك عادة لتقديم الشاي إلى ضيوفك."
قالت بجدية تماماً ثم دخلنا المطبخ ضاحكين.
بدأت في الذهاب إلى الفصل معها في بعض الأحيان ولو بغير انتظام، لقد أحببت الأخت سلمى كثيرًا، بمحادثتها المنظمة الخالية من المناقشات العلمية الثقيلة، تُفهم الدين في ضوء الوضع الحالي بطريقة تبدو فيها الحياة كأنها تمضي قدمًا.
وفي يوم من الأيام وصلنا إلى الفصل متأخرين. الأخت سلمى كانت على وشك أن تنهي محاضرتها، التي قالت فيها: إن معيار الزواج في الإسلام هو الدين أولا قبل النسب والثروة والجمال. فأولئك الذين يريدون اتباع الهدي المستقيم، يجب عليهم أن يكونوا - في زواج إخوانهم وأبناءهم- قدوة حتى يغيروا معايير المجتمع، فيما يخص بالتقاليد غير الشرعية في الزواج.
أما سارة فكان لديها الكثير لتتحدث عنها، لكن الفتيات، بغض النظر عن عمرهن، ما زلن فتيات، لا يمكنهن التحدث في هذا الموضوع، لذلك لزمت سارة الصمت، ولكن إلى أن أنهيت جلساتهن، واصلت النساء مناقشة هذا الموضوع فيما بينهن.
ذات يوم تلقيت مكالمة من الأخت سلمى، وكانت تقول إن امرأة متدينة كانت صداقة سلمى معها تبحث عن فتاة متدينة لابنها الأكبر، فهو بعد وفاة والده كان مشغولا بأداء واجبات إخوته الصغار، الآن تريد أمه أن يعمر منزلها بفتاة مناسبة.
سألتني الأخت سلمى عن رأيي في سارة بهذا الخصوص.
اكتشفت عن تفاصيل العريس وبعدما طمأنت على نفسي ذكرت عن سارة إلى أخت زوجة أخيها. ثم أردت أن أتحدث لسارة عن ذلك، لكنها تفاجأت بقولها لدى سماعها أنني توقفت عن رؤية مثل هذه الأحلام.
لكنني شرحت لها:
"أنت تفهمين بنفسك الدين وروحه، وهو أيضاً يبحث عن فتاة متدينة فلا يناسب لك أن ترفضي هذه الخطبة"!
على كل حال، تم ترتيب موعد في منزلي للأسبوع التالي، وقد حان ذلك اليوم، كانت ترافق مع سلمى سيدة محجبة، فبدأت الأحاديث بيننا، كانت المرأة حديثة القدوم، ترمز إلى سارة بطرفة عينيها من حين لآخر، جلست لبعض الوقت وشربت الشاي وغادرت.
"كنت بانتظار إجابتها بفارغ الصبر".
بطريقة ما، بعد قضاء أسبوع، وصلت إلى الأخت سلمى، فأخبرتني بخجل شديد أن سارة لم تعجبها.
دهشت كثيراً!
لم تسأل شيئًا عن سارة! ما دل بوضوح على أنها تبحث عن وجه كالبدر وعيون كالنجوم، والأمور الأخرى تستحق أن تكون على مستوى ثانوي، عدت بأفكار مرتبكة للغاية واتصلت بسارة وطلبتها عندي.
نظرتُ إلى وجهها المتفائل، كان عليّ أن أستجمع قوتي وشجاعتي، ذكرت لها ببساطة أنه لا يمكن أن يتم هناك على ما كنا نريده، عند سماع هذا، أصبح وجهها أحمر وأسود كالدخان ثم ابتسمت، ولكن هذه الابتسامة كانت كشظايا زجاج، كنت مفزوعة وخافية للغاية.
عندما أردت مواساتها، قالت بصوت منخفض وبطيء، "هذه اللعبة حدثت لي مرات عديدة"، لكن هذه المرة ازداد التعذيب أضعافا مضاعفة لأن هذا العمل قام به أولئك الذين يتشدقون بتعليمات الدين، ثم يظهرون من خلال أفعالهم أن هذه التعليمات فقط للوعظ بها للآخرين ولا للعمل بها.
أمسكت بيديها وقلت "أنا آسفة، لقد عانيت كثيرا بسببي".
''لا! ليس قط؛ إنها ليست غلطتك، حتى قبل ألفي عام، دفنت فتيات بريئات أحياء، قُتلت جثثهن، أما العصور الحديثة فهي أكثر وحشية، تدع الجسد يعيش، وتقتل روحه.
"لقد أغرقت رطوبة الدموع صوته، سكتت وبدأت تبكي بين ذراعيّ ورقبتي، كما بدأت عيناي تذرفان الدموع.
كنت أفكر في أنها جريمة قتل مزدوجة، أحدهما قتل هذه الفتاة السعيدة تضحك، والآخر قتل المعيار الذي حدده الله ورسوله، ليتني لم أتعرض لهذه المسألة.
**********
* الأستاذ المساعد، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، الهند.