"يا أمي! كم أنت لطيفة"، كانت رابعة تنظر إلى والدتها منذ وقت طويل، غالباً ما يسهرها لونها الوردي الأشقر، وعيناها الجاذبتان، وحاجبها وشعرها الجميل.
نظرت طاهرة أم رابعة، وهي مرتدية لباساً أسود إلى ابنتها بمودة. "يا رابعة، يا دميتي الجميلة، أنت جميلة جداً." ابتسمت فضحكت، أما رابعة فاغتنمت الفرصة لتكرر كلماتها.
"يا أماه، لذا أقول لك أن تعطيني حجاباً، حقاً أخجل كثيراً عندما أذهب إلى المدرسة بين الكثير من الرجال، يبدو لي أن عيوناً كثيرة تراقبني".
استمعت طاهرة إلى قول ابنتها بحيرة واستغراب وقالت: "لكن يا ابنتي! أنت الآن في الصف الثامن فقط، أصغر جداً من أن ترتدي الحجاب، وأية بنتٍ ترتدي الحجاب مثل هذا في منزلنا يا ترى!".
كانت رابعة تتمتع بحساسية بالغة وهي ما زالت طفلة صغيرة، واليوم كان يوم ظهور النتيجة السنوية في المدرسة، وهي كانت دائما متفوقة في دراستها. وكان من المتوقع أن تحصل على جائزة أفضل طالبة في الفصل، لذلك حضرت طاهرة أيضاً للمشاركة في حفل توزيع الجوائز في مدرسة ابنتها، وفي طريق عودتها، شعرت طاهرة بالعطش الشديد بعد أن رأت العربات الواقفة على بعدٍ يبيع أصحابها عليها المثلجات والمشروبات الغازية، إنها لم تتناول المثلجات الحلوة والمشروبات الغازية منذ زمنٍ، طلبت من ابنها أن يوقف السيارة بالقرب من عربة، ولكن بمجرد أن اقتربت السيارة منها، تغير المشهد، تبدو العربات السارية جميلةً جدا من بعد، إلا أن الذبابات كانت تقدم منظرا آخر ... عندما رأت طاهرة الذبابات السوداء تطن على المثلجات البيضاء، امتعضت وغيَّرت رأيها.
عندما عادت إلى المنزل، أرادت رابعة أن تجعل أمها تدرك مرة أخرى أهمية ارتدائها للحجاب فقالت: "يا أمي! ألم تلاحظي العربات المفتوحة التي أحاطت بها الذبابات فتقلصت أهميتها في نظرك، وبنفس الطريقة، يتضرر نقاء الفتيات العفيفات اللائي تقع عليهن عيون سيئة من غير المحارم. يا أماه! أرجوك أن تسمحي لي بأن أرتدي الحجاب، فأنا لا أطلب منك أمراً غير شرعي".
وبالصدفة سمع والد رابعة المحادثة بين الأم وابنتها، وهكذا جاء حجاب رابعة.
"فهيمة! مهما يتم الزواج يجب القيام به آنذاك، لكنني لن أزحزح من موقفي الرئيسي للزواج. "، ردت رابعة على سارة بنبرة محددة.
كانت رابعة تعمل في مؤسسة مرموقة في المدينة غير أنها عملت في المؤسسات العادية في السابق أيضا، وبمجرد دخولها إلى عنفوان شبابها، بدأت ترتدي الحجاب، الأمر الذي كان سبب تأخر زواجها. وزوجة أخيها التي هي ابنة خالتها وصديقة من طفولتها، تحاول دائماً أن يتم زواجها في عائلة مرموقة محترمة، لكن الوقت كان يمر ويمضي وأمر الزواج عالق.
ولدت رابعة في أسرة ذات ترف ونشأت في عائلة ارستقراطية وفي بيئة تقليدية. هي، وأخوها الأكبر وأختها الصغرى شكلوا دنيا الوالد، وكانت والدتها ربة منزل. أختها الصغرى عاصمة مازالت تدرس في الجامعة، وعلى عكس رابعة، فكانت عاصمة فتاة مرحة خفيفة الظل لا تبالي بأي شي، لم تأخذ نسوة أسرة رابعة أمر الحجاب مأخذ الجد قط، ومع ذلك فكن يرتدين حجابا تقليديا فقط دون أن يشددن في أمره.
قرأت رابعة القرآن الكريم مع ترجمته مرات عديدة، واستمعت إلى محاضرات مختلفة من مفسريه بصورة مستمرة دون توقف وتفويت. كانت تقضي أوقاتها في التأمل والنظر والفكر كعادتها ومزاجها، لذلك كانت تحرص أيما حرص على اتباع أوامر القرآن الكريم وأحكامه بثبات واستقرار.
"يا عمتي! حلقة أصدقائك أوسع بكثير، أرجوك أن تقترحي لنا خطبة مناسبة لأخت زوجتي رابعة"، و"في هذه المرة لما جاءت فهيمة إلى بيت والدتها، طلبت من عمتها المساعدة لتزويج رابعة.
"يا بنيتي! ما هي المشكلة، على ما يبدو فهي فتاة لطيفة وجميلة، فلماذا لا تأتي لها خطبة مناسبة؟"
لدى سماع إجابة فهيمة، ضربت رأسها، "يا عجباه! أصبح الخير شراً، هذا زمن القيامة! يجب أن تكون رابعة محل تقدير المجتمع لأنها تحرص على اتباع أوامر الله في الزمن الذي تحاول البنات فيه تعرية أجسادهن وكشف مفاتنهن على الرجال وهو أمر لا يرضي اللهَ ورسولَه.
كانت العمة تعرب عن حزنها الشديد، لكنها عرفت أن الله قادر على كل شيء وعليم بكل ما حدث وسيحدث، وسوف يفعل الخير بحقها!
اليوم أرسلت نبيلة مرة أخرى رسالة على الواتساب إلى إحدى صديقاتها سارة، وبمجرد الاطلاع عليها، كتبت سارة كعادتها بضع كلمات التقدير ردا على ذلك، كانت الصداقة بين الاثنتين حميمة جداً، والاثنتان لم تلتقيا منذ مدة، ولكنهما كانتا بمثابة روح واحدة في قالبين. كانت سارة من المعجبين بكتابات نبيلة، فمكا كانت تنسى أبدا مشاركة كل منشور جديد لها في جميع مجموعات صديقاتها وقريباتها وأقاربها.
"سارة، إذا اطلعت على أي فتاة طيبة، أخبريني، أنا أبحث لابني عن فتاة مناسبة، أريد فتاة محجبة ومحتشمة "وصفت نبيلة كل مواصفات البنت التي تفضلها لابنها، أما سارة فهي كانت تعرف أن هذا لن يكون مشكلة أبداً.
"الفتاة هي بالضبط مثالية في عيني، فهي طبيبة أيضا، لطيفة ومحجبة كذلك." سارة واصلت حديها بطلاقة وفي نفَسٍ واحدة...
"وا فرحتاه، إذا كان الأمر كذلك، فأخبريني على عجل، لقد أهدرنا الكثير من الوقت بالفعل في السعي على الفتاة المحجبة"، كان صوت نبيلة مليئًا بالفرح والحماس.
كانت نبيلة تفكر للتو في التحدث إلى والدة رابعة، فتفاجأت بخطبة رفيعة المستوى لرابعة وصلت في نفس الوقت. لقد تعلم الشاب العروس في البلاد الأجنبية، وظيفته أيضًا ممتازة، يسكن في منطقة راقية من المدينة، بيت خاص له منتشر في مساحة واسعة، مع كل ذلك الأسرة مختصرة بسيطة وموجزة أيضا. على كل حال، كانت الخطبة مثالية من كل زواياها، ولكن عندما طلبت طاهرة من رابعة موافقتها على الخطبة هذه، فاشترطت بقولها:
"يا أماه! ولو هو قد عاد بعد إكمال دراسته من الخارج، لا أعتقد أنهم يحبون ارتدائي الحجاب، من اللازم أن توضحوا لهم قبل أن تصل الصفقة إلى تمامها؛ أنني لن أترك الحجاب بعد الزواج"!
بعد استشارة زوجها، عندما أبلغت طاهرة والدة العروس بنيّة رابعة أصبحت الأم ضحية للذعر وصُدمت، بينما أحبوا رابعة وابنه أيضاً كثيرا، لكنها كانت مدركة أيضًا بآراء ابنها. ناهيك، بعد التشاور مع ابنها، طلبت الإذن قائلة سنفكر في المسألة ونردكم لاحقاً.
ثم حدث مما خشي والدا رابعة في هذا الشأن.
وبالمقابل، رابعة كانت مقتنعة بأنها كانت صامدة على الحفاظ على ابتلاء ربها. وبالصدفة، وفي اليوم التالي، تلقت طاهرة اتصالا هاتفيا من نبيلة، أرادت أن تأتي لرؤية رابعة.
وهكذا، كانت نبيلة وعائلتها أحبت رابعة من جميع نواحيها، وابنها أرسلان أيضا أحبها وعائلتها للغاية. كانت جميع النساء في منزل نبيلة محجبات وكان يرغب أرسلان أن تكون زوجته في المستقبل محجبة أيضًا.
بدأت الاستعدادات لحفل الزفاف على كلا الجانبين وأخيراً غادرت رابعة إلى بيت صهرها.
بعد مغادرة رابعة منزل أبيها، كانت طاهرة تعتقد أن الله تعالى يختبر بالتأكيد عباده الصالحين، ولكن بعد ذلك يعوضهم أيضاً بمكافآت جيدة.
فيما يمثل قوله سبحانه وتعالى:
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ.