في أحد الأيام، وبينما الصديقان يتسامران سأل فاروق صديقه نظام الدين قائلا: أين تنتهي أصولك يا صديقي وما هي لغتك الأم؟، سكت نظام الدين لبرهةً، ثم أجاب: بأنه من كتيهار، إحدى مقاطعات شرق ولاية بيهار على حدود غرب ولاية البنغال، لكنه تردّد في الإجابة عن لغته الأم، لأنه منذ الصغر اعتقد بأن لغته البنغالية ذات اللهجة الشيرشاهبادية لا تروق للبعض.
هنا...سرح الخيال بنظام الدين...وتذكر تلك الحادثة التي عايشها في كولكاتا في سنة 2004م، عندما كان في رحلة جامعية إليها، وعند حديثه إلى البنغاليين الأقحاح بلغته الأم، أحس أنهم يسخرون من لهجته سرا، وبعضهم يرفع حواجبهم اشمئزازاً من لهجته البنغالية، الملوثة بمفردات تأتي من اللغة الأردية والهندية واللغات المحلية الأخرى حسب زعمهم. إن هذه القصة التي واجهته خلال رحلته إلى كولكاتا، غيّرت من وجهة نظره فيما يخص انتماءه اللغوي.
بعدها، صار يُحس بالدونية بخصوص لغته الأم، وقلق بشأن هويته اللغوية التي هي مصدر افتخاره في الماضي، وراح يسأل نفسه: ما هي لغتي أنا؟ وما أصلها؟ أليست لغتي معروفة خارج بيتي وقريتي ومنطقتي؟ ولماذا هي "بنغالية" في بيهار ومناطق هندية أخرى، وتعد لغةً "بيهاريةً" محلية في غرب البنغال؟، وصار بعدها مقترا من استخدام لغته الأم، وبذل جهداً في إتقان لغات أهل دلهي، حينما درس بها، في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بالجامعة الملية الإسلامية.
استفاق نظام الدين على صوت صديقه فاروق...والذي أردف قائلا: هل أزعجتُك سؤالي؟ لماذا غرقتَ في التفكير؟، وهزّ نظام الدين رأسه بالنفي. ثم رد نظام الدين قائلا: "في الحقيقة، استرجعت في رأسي بعض الذكريات".
ثم أضاف: "يا زميلي فاروق! أنا ابن المجتمع الـ "شيرشاهبادي" نسبة إلى الملك الهندي الشهير شير شاه السوري، الذي فتح البنغال في منتصف القرن السادس عشر، واستوطن جنوده الأفغان بمنطقة "شيرشاه آباد برغنا" ليسكنها رجال شيرشاه سوري في غرب مقاطعة مالده ومقاطعة مرشد آباد، إن ذرية هؤلاء الجنود الأفغان، الذين تزوجوا فيما بعد من الهنديات المحليات تسمى الآن "شيرشاهبادي"، ويتحدثون باللغة البنغالية الدارجة، وبعض مفرداتها يعود إلى اللغة الفارسية والعربية، وماتزال هذه المفردات عند الشيرشاهباديين، ومع زوال حكم الأفغان وسيطرة المغول واجهوا الإهمال والقمع تحت هذا الحكم، ليستمر قمعهم في عهد الإنجليز، لمشاركتهم في حركة المقاومة ضد الحكم البريطاني، وأخيرا استقر أفرادهم في مهنة الزراعة على ضفاف الأنهار في القرى النائية، بعيدين عن المدنية والتعليم، وفي أواخر القرن التاسع عشر انتشر أفرادهم من منطقة شيرشاه برغنا ومرشد آباد إلى مناطق مجاورة في منطقة سيمانشال في بيهار ومناطق وجهارخند، ومازال عدد كبير منهم موجودا في مرشد آباد ومالده ومقاطعات مجاورة، ومازال المجتمع يحتفظ بلغته وثقافته على بدائيته.
عندها طرح فاروق سؤالا أخر: وهل تحتفظ بنسب عائلتك أوْ لها تاريخ مدون؟ أجاب نظام الدين: للأسف، ثمة ضبابية تحيط بتاريخ مجتمعي، لأنه غير مدوّنٍ، وحتى تواريخ الميلاد غير مسجلة على الأغلب، بسبب تفشي الأمية، أما اللغة الشيرشاهبادية، فحدّث ولا حرج، فهي لغة شفوية، ويؤيد بعض مثقفي مجتمعنا كتابتها بالحروف الأردية، فيما يرى أخرون أن كتابتها بالخط البنغالي أجدر، وفي الواقع، لا تكتب لغتنا بأبجدية أردية ولا بأحرف بنغالية إلى الآن، وأطفالنا محرومون من دراسة لغتهم الأم في الكتاتيب والمدارس".
هنا قاطعه فاروق قائلا: أما اطلعت على منافع تعليم الأطفال بلغتهم الأم؟، وتنهّد نظام الدين عميقا ثم قال: "ليس بمقدوري وحدي أن أغيّر كل شيء..."، ووصف حالة مجتمعه البائس على كافة المستويات الاجتماعية، الثقافية، السياسية بنبرة فيها الحزن والحسرة.
خلص نظام الدين إلى القول: "إن مجتمعنا أقرب إلى المجتمع البدائي وحالته أشبه بحالة الطبقات المنبوذة في نواحي كثيرة"، وربّت فاروق على كتف صديقه وشجعه في آخر كلامه، بترديد المقولة الشهيرة للزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي: " كن أنتَ التغيير الذي تريد أن تراه في العالم".
كان نظام الدين طالباً مجداً متفوقاً في الدارسة، واجتاز مراحل التعليم كلها بامتياز، وحصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي الأمريكي عام ٢٠١٠م، من جامعة دلهي، وكان يطمح بأن يصبح أستاذاً جامعياً، لكن الحظ لم يحالفه، ووجد وظيفة جيدة في شركة عملاقة هندية معروفة بـ"مجموعة تاتا" بعد سنوات من البحث عن العمل في عام ٢٠١٤م، وكان شعوره بعد الحصول على الوظيفة خليطاً من الفرح والقلق، لأن مكان عمله هو مدينة كولكاتا - المدينة التي أذاقته تجربة مريرة وقاسية في الحياة، جعلته يحس بالدونية نحو لغته الأم، قبل نظام الدين هذه الوظيفة رغما عنه، ولم يجد خيارا إلا القبول بها، لأن فرص العمل نادرة جدا، وحالته المعيشية لا تسمح له برفض هذه الفرصة.
عاش في كولكاتا المتواجدة بها الشركة، وهنا تعرف على زملاء أغلبهم من غرب البنغال أو من ولايات أخرى، وقد رحب به هؤلاء الناس في المدينة التي تعرف بمدينة الفرح (The city of joy) ونمت بينهم أواصر وروابط الصداقة، إلا أنه وجد بعص من البنغاليين المتشددين، الذين احتقروه على انتمائه لولاية بيهار، وسخروا من لهجته البنغالية- البيهارية سرا وجهرا، لكنه لم يأبه بمن حوله من الحُساد، بل اغتنم وجوده في غرب البنغال ليجيد اللغة البنغالية كتابة ومحادثة.
في غضون سنة، أصبح متمكناً من قراءة الصحف البنغالية والتحدث بها مع البنغاليين، مع بعض القصور في النطق الصحيح لبعض الكلمات البنغالية ذات الأصول السنسكريتية، وبالرغم من ذلك، لم يفارقه سلوك التمييز والتعصب من طرف البنغاليين الذين كان يتعامل معهم من أصحاب المحلات أو الدكاكين، وكانوا يتحدثون معه باللغة الهندية المكسرة، ظناً منهم أنه لا يجيد البنغالية لأنه من بيهار، وتحمل أذى كلامهم بتلك اللهجة المتكسرة، التي لا يفرقون فيها بين المذكر والمؤنث، وهو - بدوره- لا يُسمعهم لغته الأم البنغالية ذات اللهجة الشيرشاهبادية، والتي تمكن من تحسينها بعد سكنه في كولكاتا، وفكر في نفسه: لماذا ضيّع وقته وجهده في تحسين لغته البنغالية؟
في أحد الأيام بينما كان يهم بالخروج إلى عمله، لقي جاره المثقف وعالم الدين المعروف والوقور "محمد كليم الله قريشي"، الذي لم يكن يكلم مع كل من هب ودب، وهو بدوره لم يبادله التحية، بالرغم من أنهما جيران في نفس المجمع السكني لسبعة أشهر، في ذلك اليوم عندما سأله سؤالا بلغت دهشته مداها، حيث أنه وبدون مقدمات سأله الشيخ: هل أنت غير بنغالي؟ ذُهل نظام الدين أيما ذهول بهذا السؤال المباغت...ولم يتصور أن هذا السؤال المشحون بالحمية الجاهلية، سيأتيه من رجل ديني محترم، ولذا فضّل السكوت لثوانٍ، ثم قال له:" تسألني عن هويتي، لا يمكنني الإجابة على سؤالك بنعم أو لا، إن هويتي مزدوجة، أنا من سكان بيهار، لكن لغتي بنغالية- شيرشاهبادية، وأنا شيرشاهبادي، وللشيرشاهباديين حضور قوي في مديريتي مالده ومرشد آباد في ولايتكم غرب البنغال، كما تعرفون".
لم يدخل نظام الدين مع الشيخ قريشي في نقاش، وتوجه إلى عمله محملا بالهموم والأفكار، وقد قضى عشر سنوات في غرب البنغال وما زالت هويته تطارده رغم إتقانه للغة المحلية، فهل اللغة هي الهوية أم انتماؤه إلى مسقط رأسه هو ما يشكل هويته؟، أو ليست الهندية أو الإنسانية عنصراً في هويته؟ وأدرك نظام الدين أنه ربما لن يجد جواباً مقنعا لسؤاله عن الهوية اللغوية التي أهلكت الحرث والنسل في الماضي والقريب والبعيد، وهل سيظفر بإجابة لهذا السؤال يوما ما؟
. بے حد متاثر کن کہانی. کہانی کار نے ہندوستان میں ذات پات، نسل، مذہب اور لسانیاتی تفریق کار سے بخوبی واقف ہے. لسانی طور پر جو بھید بھاؤ آج اس جدید دور میں برقرار ہے. اس سے کوئی بھی ذی عقل انکار نہیں کر سکتا. مشرقی اتر پردیش، بہار اور بنگال والوں کے ساتھ یہ تفریق کچھ زیادہ ہی برتی جاتی اس کی وجہ صرف ان کی زابن ہی نہیں بلکہ ان کی غربت بھی ہے. ایک بچہ گاؤں سے شہر کی جانب کوچ کر جاتا ہے اور جب واپس لوٹتا ہے تو اپنی جائے پیدائش سے الفت اور لگاؤ کے ساتھ خود کو تلاشتا ہے. دوسروں کے بیچ اپنی کمتری اور علاقائیت کو پوشیدہ رکھنے کی سعی کرتا ہے اور پوری ز ندگی اسی طرح گزر جاتی ہے.
قصة رائعة