قصة "بِديني"[1] - "مُلاعبة الثعبان" لـ تاراشنكر بانديوبادهياي[2]
الكاتب: تاراشنكر بانديوبادهياي
ترجمة: د. محمد عالمغير[3]
شامبهو مُلاعب الثعبان يأتي إلى معرض السحرة كل سنة وكان مجلس شامبهو يُقام في مكان خاص. يقول الناس هذا معرض السحر ولكن يطلق عليه شامبهو اسم "سِيرك"[4]، وعلى الخيمة الصغيرة صورة نمر في قماش معلق وفي جانب آخر هناك صورة رجل وفي يده سيف ملطخة بالدماء وفي يده الأخرى رأس مقطوع وأما سعر بطاقة الدخول (تذكرة) فهو روبيتان فقط. كان شامبهو يعرض على شاشة الصندوق الكروية معارك الإنجليز وقصص ملوك دلهي، وصور جبال كابول وهمالايا والتاج محل (الضريح الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان في ذكرى زوجته "ممتاز").
وكان الأطفال والرجال يستمتعون بمشاهدة هذه الصور التاريخية على شاشة الكاميرا الصغير من فوهة الصندوق، ثم يُعرض شامبهو عليهم لعب الحلقة الحديدية، وأخيرًا كان شامبهو يعرض لعب النمر من وراء الستار القماشيس، فيُخرِج النمر من القفص الحديدي وزوجته "راديكا" تجلس على ظهر النمر وشامبهو يجلس أمامه وجهًا لوجه ويضع رأس النمر على كتفه ويقبّله مرة وزوجته تضع قمة شعرها في فم النمر مرة أخرى فيبدو أنها وضعت رأسها في فمه، ويبدأ الحاضرون يصفقون مشدوهين بهذا المنظر وينتهي اللعب هكذا، ثم يخرج المشاهدون ويخرج شامبهو معهم أيضًا ويعزف على الطبلة والناي وزوجته تعزف على المضمار وتنشد النغمات. وفي أثنائه يبدأ شامبهو يهتف بأعلى صوته: أنظروا ذلك النمر الكبير. فتسأل مُلاعبة الثعبان: ماذا يفعل هذا النمر؟ فيجيب شامبهو قائلًا: "إن هذا ملك الطيور الحصان، هذا يقبّل الإنسان ويُدخل رأسه في فمه ولكن لا يأكله.
ولم يكمل كلامه حتى ذهب إلي داخل الخيمة وجعل شامبهو يخز النمر بعصاه، فبدأ النمر يزأر مرارًا وتكرارًا، واحتشد الناس أمام خيمته لمشاهدة لعبه ولم تسمح مُلاعبة الثعبان لأحد إلا من دفع إليها روبيتين. وعلاوة على هذا هناك ألعاب أخرى لـ "بديني" ولديها ماعز وقرد وثعالب كثيرة لعرض الألعاب المختلفة في نفس المعرض، وهي تغدو كل يوم إلى القرية مع الحقائب وتكسب المال بعد عرض الألاعيب وإنشاد الأغاني فيها ثم تروح إلى بيتها بالمال وكانت تقضي أيامها هكذا.
وأصبح شامبهو غاضبا جدا هذه المرة بعد أن رأى هناك خيمة كبيرة مزينة بتصميمات جميلة وأمامها حصانان وقفص فوق عربة ثور. وتيقين بوجود نمر بداخله.
ذهب شامبهو إلى تلك الخيمة الجديدة بعد أن أُفرغت الأدوات والحقائب من ثلاث عربات ونظر إليها نظرة ملؤها الكراهية والحقد، ثم سب صاحبها سبا، وشتمه شتما وسيطر عليه الغضب والحسد معاً لأنه خاف أن صاحب الخيمة الجديدة سيكتسب أموالاً كثيرة على حسابه هو، ما يؤدي إلى كساد تجارته هذه السنة، أما راديكا فهي الأخرى صارت غضبانة، واحمر لون وجهها من شدة الغضب فصار مثل سكين حاد ينعكس الضوء عليه، فدخلت في تلك الخيمة وقالت بلهجة قاسية: من هو صاحبها؟
وخرج من داخل الخيمة شاب طويل القامة قوي البنية، أسود اللون وأنفه طويل مدبب لكن عينيه مازالتا مغمضتين ووقف أمام شامبهو. نظر كلاهما بعضهما للبعض وقال الرجل: ماذا تريد؟ كانت تنبعث رائحة الكحول من فم شامبهو، أمسك شامبهو بيده اليسرى يد الرجل اليمنى وقال: هذا المكان لي، وأنا أجلس هنا منذ خمس سنوات، ثم أمسك المُضَحِّك الجديد يد شامبهو اليسرى وابتسم كأنه سكران وطلب منه الخمر، وقال: أين الخمر؟ هل تسقيني الخمر؟ وكانت راديكا قائمة خلف شامبهو وهي فتاة جميلة جدا تتمتع بجميع أوصاف الحسن والجمال، فصرف المضحك نظره عن شامبهو ورأى راديكا التي قهقهت على صمته حتى لم تسيطر على ضحكها وقالت: لماذا سكتّ؟
فابتسم المضحك الجديد وقال: أنا ابن مُلاعب الثعبان، ويعاني من الفقر ونقص الغذاء. ثم قال: هذه حقيقة أن أفراد هذه القبيلة لم يشربوا الخمر قط بعد الشراء بل يسرقون ثم يشربون، ويدخل بعض أفرادها السجن لسرقة الخمر، ولم يتركوا عادتهم السيئة حتى اطلعت الحكومة على هذه الجرائم.
وغضب شامبو من راديكا على تصرفها وأخذ نفسا طويلة وقال لها: لماذا أتيتِ هنا؟ فأخذت تضحك مرة أخرى وقالت ويحك! لن أشرب الخمر. ولم آت هنا لشربه. ثم عُقد محفل الخمر في داخل خيمة المضحك الجديد مع لحوم الطيور في صفيحة -تناثرت في الخيمة قطع عظام الطيور- وفي الصفيحة الأخرى شرائح من البصل والفلفل وقليل من الملح. وتدحرجت زجاجتان فارغتان، وانتهت نصف زجاجة.
زوجة المضحك الجديد كانت نائمة على الأرض، وقد أغمى عليها كأنها سكران. وكان شعر رأسها مشعثاً بالغبار ومن فمها تخرج فقاعات الخمر. فقهقهت راديكا عليها بعد أن رأت حالها هذه وقالت:
هذه ملاعبة الثعبان الخاصة بك؟ وهي زوجتك؟ فقهقه المضحك الجديد، وتقدم قليلا إلى الأمام وأخرج زجاجتبن مليئتين بالخمر اللتين كانتا مخبأتين تحت الأرض.
وشرع المضحك الجديد وراديكا يشربان الخمر ويتحادثان وكان شامبهو جالسًا وهو سكران، وقالت راديكا بعد أن شربت الكأس الأول: ما اسمك أيها المضحك؟ فأجاب المضحك بعد أن قطع الفلفل الأخضر بأسنانه قائلا: إن عرفت اسمي فتسبّينني، فقالت راديكا: لماذا أسبّك؟
قال المضحك الجديد: اسمي "كيستو"[5]. فأجابت راديكا: لماذا أسبّك؟ قال المضحك: اسمك "راديكا" مُلاعبة الثعبان فبدأت راديكا تقهقه حتى سقطت على الأرض وتقلبت عليها من شدة الضحك وسرعان ما أخرجت شيئا من ملابسها كان دودة الأرض وألقتها على المضحك الجديد أي "كيستو" الذي لم يرتعب منها بل أخذها بيده ثم ألقاها على الأرض بعيداً.
وفي جانب آخر قال شامبهو بصوت عال: لم يكسر ناب سامّ للثعبان فأخرج كيستو سِكّينا من كيسه ثم قطع كل أنيابه السامة وألقاها على جسم راديكا، فأمسكته بسرعة ولكن انتفخت غضباً للحظة كالأفعى وقالت: يا ثعباني أنت حاولت أن تلدغني؟ وغضبت من المضحك الجديد وقالت لماذا ألقيت هذا عليّ، فابتسم المضحك بعد أن قال: أنت طلبت مني أن أفعل هكذا، إذن لماذا تخافين؟ فخرجت راديكا غاضبة من الخيمة قبل أن يحل المساء، وكانت الخيمة الجديدة للمضحك الجديد جاهزة لعرض الألعاب المختلفة من اليوم ذاته. وقد بدأت فعاليات العرض والرقص وإنشاد الأغاني، وعزف الناي وغيرها، لكن خيمة راديكا لم تكن جاهزة للعرض والمشاهدة حتى الآن. وكانت عيناها تحترقان حسدًا كما هي كانت تنتفخ غضبا وحنقاً.
وكان شامبهو يصلي تحت شجرة قريبة منها وكان كيستو أيضًا يصلي بجانب تلك الشجرة التي كانت على مسافة قليلة من شجرة شامبهو. إنهم ينتمون إلى الطبقة البدوية التي تشتغل بمهنة التهريج والتضحيك، وكان دينهم هو الإسلام، ولكنهم كانوا يقدسون بعض الأوثان مثل "كالي" و "دورغا"، كما كانوا يمارسون طقوسا وعادات هندوسية فكانوا ينحون رؤوسهم أمام هذه الأوثان أحياناً. وكانوا يتسمُّون بأسماء الهندوس مثل شامبهو، وكيستو، وكريشنا، وغيرها، ولم يعقدوا القران مع المسلمين الخالصين بل كانوا يتزاوجون فيما بين أفراد طبقتهم وفقا للشريعة الإسلامية بحضور مأذون الزواج الإسلامي وكذلك لا يحرقون موتاهم بل كانوا يدفنونهم مثل المسلمين. هكذا هم يعيشون على رقصات الثعابين والقرود وإنشاد الأغاني والمزاح والفكاهة.
وفي أثناء ذلك زارت راديكا خيمة "كيستو" وأعجبت برؤية الألعاب المختلفة للنمر الشاب القوى. وعندما رأت النمر العجوز لزوجها اشمئزت، وكانت قد طلبت منه مرات وكرات شراء نمر جديد لكي يعجب الناسَ أكثر ولكنه لم يعرها اهتماماً.
عندما رجع شامبهو بعد الصلاة، قالت راديكا بلهجة غاضبة: لن يأتي أحد لمشاهدة ألاعيب نمرك العجوز، عليك أن تشتري نمرا جديدا أقوى، فأجاب شامبهو غاضبًا: هل أنت خبيرة بكل شيء؟ فجعدت راديكا أنفها وقالت لا أعرف! أنت تعرف كل شيء! فظل شامبهو صامتًا. لكن راديكا لم تتوقف ثم سكتت لحظات وقالت: إلى متى ومن يحبّ أن يشاهد رقصَ نمرك العجوز؟ وقلتَ لي أنت تعرف كل شيء، فغضب شامبهو حينئذ، ثم قال إذا كانت أسنانه شرسة تمامًا مثل ذلك النمر: أنا أدرك ميلك إلى ذلك المضحك الجديد ورغبتك فيه.
وفحّت راديكا مثل الثعبان وقالت ماذا قلت؟ ثم لم يقل شامبهو كلمة أخرى، وغادر المكان وهو يستشيط غضباً مثل النمر. وانفجرت عينا راديكا بالدموع، وقالت: إنك كنت رجلًا عجوزًا في الأربعين من العمر وأكبر مني سنًا، ومع ذلك قد تزوجت منك وأنت تهينني اليوم وتتهمني بالخيانة. وتذكرت اليوم الذي وقعت فيه في حب شامبهو وهو كان شابًا قويًا، ثم دخلت في خيمتها قائلة هكذا.
في الحقيقة هي تزوجت من ملاعب الثعبان الآخر المدعو "شيباد" قبل ثماني سنوات. وفي ذلك الوقت كانت راديكا في السابعة عشرة من عمرها، وكان "شيباد" أكبر من راديكا بثلاث سنوات وحتى اليوم تشعر راديكا بالحزن والأسف عندما تفكر فيه، وكان رجلا وسيمًا وكان يصنع الأواني المختلفة والسلات والكراسي من القصب وكان يبيعها في القرى مثل البائع المتجول. وكان يكسب المال أكثر من شخص آخر في قريته، وأما راديكا فهي أيضا كانت تذهب معه بالثعابين وهي كانت تعرض ألاعيبها وتنشد الأغاني وأحيانًا ترقص. وكان شيباد يعزف الناي على صوتها، وهكذا هي أيضا كانت تكسب المال الكثير من القرية.
وعلاوة على ذلك كانت له منزلة ومكانة عند شيوخ القرية لأنه كان مثقفاً ولذلك كانت نصائحه مقبولة لدى الناس في بعض المناسبات. وكان شيباد كعبد لراديكا، وكان جميع المال مِلكاً لراديكا، وكانت تتزين بالملابس الجديدة والحلى الفاخرة، هكذا عاشت راديكا عيشا فارهاً. بعد عشر سنوات دخل شامبهو حياتها مع نمر وخيمة صغيرة له، وتذكرت راديكا ذلك اليوم الأول الذي لقيته فيه ووقعت في حبه وأغرمت به. وأحبها شامبهو أيضا، وهو أولاً دعاها قائلا: يا مُلاعبة الثعبان! أرني لعب ثعبانك، وهي أيضا ضحكت وقالت: أعطني أولا روبية لتشاهد لُعَب الثعبان.
وتذكرت رد شامبهو لها: لا أعطيك روبية بل أنت أريني لعب الثعبان وأنا أُرِيكِ لعب النمر.
نمر! وبدا لها شامبهو رجلا غريبا وإنه نظر إليها نظرة حادة وقال: صحيح، انظرى أولاً لعب نمري.
ثم أخذها في داخل خيمته فتيقنت بأن لديه نمرا، فسألته ماذا تفعل بالنمر؟ أجاب شامبهو: أحاربه وأعرض لعبه أمام الناس.
قالت: أ حقا؟
قال شامبو: نعم! أتنظرين؟ فأخرج النمر من قفصه ووقف أمامه وجها لوجه وعانقه مرة ثم قبّله ثانيةً، وحتى اليوم هي تتذكر بأنها أعجبت بشجاعته ثم وقعت في حبه وهيامه.
فأدخله شامبهو في القفص ثم قال لراديكا: أريني الآن لعب ثعبانك! ولم تجب راديكا على هذه الكلمات. فضحكت ثم قالت: أنت روَضت هذا النمر وجعلته أليفا ووديعًا لك. فضحك شامبهو وعانقها بشدة وقال: ألا تعلمين أني مروض ماهر. ولم تدرك راديكا متى سيطر حب شامبهو على قلبها، فجاءت إلى خيمة شامبهو تاركة "شيباد" بعد أيام آخذة معها جميع ماله المدخر عندها.
فاضت عينا شيباد بالدموع لكن راديكا لم تشفق عليه ولم تشعر بالندم، وكان والداها يضايقانها كما سخر منها أهل القرية، لكنها لم تبال بهم ولم ترجع إلى شيباد. واشترت بعض أدوات اللعب والأشياء اللازمة لإصلاح خيمة شامبهو بأموال شيباد وأنفقت جميع ما جاءت به من المال حتى نزلت بها أيام الضيق المالي الشديد ملأت حياتها بالحزن والألم، وكان شامبو ينفق كل ما كان يكسبه كل يوم علي شرب الخمر والتدخين. ولم يشارك في حزن راديكا للحظة وجلس مع زجاجة الشراب مع الندماء.
وبدأ عزف الموسيقى في خيمة جديدة لكيستو وسيليه الشوط الثاني من اللعب. وأصبحت راديكا عنيفة بعد شرب الخمر، وكان قلبها يحترق حسدا عند سماع صوت الموسيقى، وكانت تفكر يا حبذا لو أحرقت الخيمة الجديدة في ظلام الليل؟ وعلى الفور سمع شامبهو صوتا عاليا خارج الخيمة ورأى كيستو واقفاً وجها لوجه مرتدياً ملابس جميلة براقة.
أما شامبهو فكان ملتهبا بالغضب وقال: لماذا أتيت هنا؟ لاهانتنا؟
فأجاب "كيستو": ما المشكلة في هذا؟ لماذا تجلس؟ لماذا لا تبدأ بعرض ألعابك؟ فازداد شامبهو غضبا وقال: اليوم ستعرض الملاعبة راديكا اللعب. ما هو خطأ كيستو! فرمت راديكا شيئا مكورا عليه فقبضه مثل قبض الكرة، ثم ذهب لاعبا به ولم يغضب منها، فرمت شيئا مثل ذلك مرة أخرى، فأمسكه أيضا مثل الكرة، فصدمت راديكا لبضع لحظات، وذهب شامبهو بها إلى داخل خيمته، وعانقها بلطف وحب فبدأت تبكي فسلاّها وقال: سنشتري نمرا جديدا بعد هذا المعرض. وبدأ كيستو إظهار الألاعيب واجتمع حشد كبير أمام خيمته وهي مفتوحة بحيث حتى إن لم يرد أحد أن يشاهدها فتقع نظرته عليها بدون قصد، فهكذا وصلت نظرة راديكا إليه، فاحترقت حسدا عليه وفكرت في أن تحرق خيمة كيستو، ووافق عليها شامبهو أيضا بجدية.
وأخذ كيستو يحرك حصانه، وأما راديكا فأخذت نفسا عميقة وقالت لشامبهو: اخترع لعبا جديدة واعرضها لكي يعجب بها الناس وإلا لن يرى أحد لعبنا بعد. وبعد لحظة قال شامبهو: سأخبر الشرطي بحيازة كيستو للخمر فسيعتقله ويزجه في السجن.
ومن جهة أخرى ترقص الفتاة على الحبل وهي تحمل مظلة على رأسها في خيمة كيستو، وهو أيضا يعرض لعب نمره ويلاعبه مرة أخرى. وكانت راديكا حزينة على فشل لعبها في هذه المرة والتهبت غضبا وحسدا وقالت: ماذا لو ألقي الزيت على خيمة كيستو ثم أحرقت.
وفي اليوم التالي كانت راديكا استيقظت من النوم متأخرة وهي لم تجد شامبهو، وفكرت أنه قد ذهب صباحا مبكراً إلى القرية للبحث عن الرزق. فخرجت من خيمتها وبدأت ترتجف خوفاً لما رأت الشرطي واقفا أمام خيمة كيستو، ورئيس الشرطة كان جالسا على الباب فدهشت برؤية هذا المنظر، ولكنها ذهبت إلى الشرطي وسلمت عليه ثم وقفت أمامه. وقال مفتش الشرطة: أُدعي رجلا من هذا البيت.
فقالت راديكا: لماذا يا سيدي؟ ماذا فعلنا؟ وما جريمتنا؟
قال الشرطي: نحن نتحقق في وجود الخمر هنا، هل هنا موجود أم لا؟ وأدركت راديكا بأن الشرطي ظنها فردا من هذه الخيمة، ولم تحاول أن تبعد خطأ ظن الشرطي وقالت: ولي طفل صغير بالداخل يا سيدي! اسمح لي أن آتي به وسأدعو رجلا. فدخلت راديكا في الخيمة بسرعة وأزالت التراب من مكان، وأخرجت الزجاجات الثلاث المملوءة بالخمر، ولفتها بالقماش وأمسكتها بصدرها كأن به طفل صغير في حضن الأم في فصل الشتاء فخرجت من هنا قائلا لـكيستو: استيقظ فالشرطي واقف على الباب. ثم رادفها كيستو ووقف وجها لوجه الشرطي وبعدت راديكا مثل الأم المرضعة الحاملة طفلها على صدرها عن الشرطي.
سأل الشرطي كيستو: هل هذه خيمتك؟ فحيا كيستو عليه تحية وقال: نعم يا سيدي! فقال الشرطي: سنفتش عما إذا كانت هناك كحول أو خمر؟
واختفت راديكا في حشد المعرض واختلطت فيه مثل اختلاط قطرة ماء في المياه.
وكان شامبهو جالسا بصمت وسكون، وكانت راديكا تبكي، وسلاها شامبهو بلطف وشفقة ثم ضحكت عليه وقصت عليه قصة خداعها للشرطة، فنظر إليها نظزة غاضبة ولم تهتم به حتى ضحكت مرة أخرى قائلة: هل تأكلين الطفل؟ وفجأة أمسك شامبهو قمة شعرها وضربها ضربة شديدة وقال:
قد ذهب جهدى سدى. أنا طلبت الشرطة لتقبض على كيستو، وتزجه في السجن. ماذا فعلتِ؟ لقد أفشلت خططي.
أدرك الغضبُ راديكا لحظة، ثم تذكرت ما قاله شامبهو البارحة بشأن هذه الخطة لكي يُدخل كيستو في السجن، وبعده ستنتهي المنافسة، فقالت: نعم، أنت قلت لي هكذا في البارحة. وتوقفت راديكا عن الاحتجاج على كل ما لقيته من شامبهو من تعذيب وإهانة، ولكنها أخذت تبكي بصوت عال.
وفي اليوم التالي بعد الظهر بدأ عرض اللعب في المعرض. وارتدى شامبهو وراديكا ملابس تقليدية قديمة، أما كيستو وملاعبة خيمته فلبسا ملابس غربية وجذابة حتى بدت الفتاة القبيحة جميلة، أما راديكا فكانت تبدو كالعجوز.
عندما بدأت حفلة العرض، تدفق حشد كبير إلى خيمة كيستو مثل السيل وبقي في خيمة شامبهو عدد قليل من المتفرجين. بعد انتهاء الألعاب جلس شامبهو غاضبا وحاسدا مع أوراق نقدية قليلة حصل عليها من عرضه، أما راديكا فغادرت المعرض بسرعة، وبعد دقائق رجعت مع إناء مملوء بالبترول. وسألها شامبهو: ماذا تفعلين بهذا؟ وهي أجابت: سأشعل النار في خيمة كيستو لكي تحترق. شامبهو هو الآخر يلتهب حسدا وحنقاً فوافق على الخطة.
فقال: تعالي بزجاجة الخمر! فقالت راديكا وكانت سكرانة: تخيل ماذا سيحدث حينما تحترق خيمته وتتحول إلى رماد؟ فضحك وخرج من خيمته ونظر إلى خيمة كيستو فرأى أن العروض كانت متواصلة حتى الآن وبدا له أن شيأ ما يتأرجح على عصا خشبة معلقة على حبل وكان الحاضرون يصفقون.
فقال شامبهو: لا تفعلي الآن، إفعلي في أواخر الليل المظلمة حين يكون كل شي هادئاً. وانتهى المعرض وغشى الظلام في الفضاء واستعدت راديكا ببطء وكانت قلقة حتى لم تستطع أن تنام في طول الليل. ووجدت كل شيء هادئا. ثم دخلت خيمتها ورأت أن شامبهو كان ينام وينخر كما تنخر الكلاب في الشتاء فأصبح قلبها مليئا بالغضب عليه وقالت: إنه قد نسى إهانة الأمس، ونام الآن. ولم تدعُه مرة أخرى فخرجت وحيدة مخبئة كبريتا في ملف شَعرها وفي يدها إناء البترول.
ووصلت إلى خيمة كيستو ببطء وألقت فيها نظرة خاطفة ووجدتها يلفها الظلام فزحفت مثل الزواحف وأخرجت كبريتا واشعلت خشباً، وبدأ الخشب يحترق على يدها وكيستو لم ينم نوما عميقا، فأحس باشتعال النار وقال: ما أحسن وأجمل الفتاة، ما أوسع صدرها وعضلات يدها ممتلئة وملائمة، فانطفأ الكبريت في يدها وانتهى ثنائه لها.
ورفرف صدر راديكا كما فعل عند رؤيتها شامبهو في لقائها الأول بل أقوى إثارة من ذلك اليوم. وما فعلته راديكا في تلك اللحظة هو أبعد من الحلم وهو غير متوقع. وقفزت على صدر كيستو في جنون.
فاستيقظ كيستو لكنه لم يتفاجأ وحضنها وقال: من أنت؟ رادي؟
وأجابت: نعم! وقالت اسكت! فقبّلها مرات وكرات ثم قال: لحظة! أنا آتي بالخمر.
وقالت: لا، قم ولنهرب الآن من هنا. وهي كانت تلهث في ظلام الليل.
قال كيستو: أين؟
أجابت راديكا: إلى أخر حدود البلاد؟ قال: آخر حدود البلاد؟ ما يحدث للخيمة؟
قالت: أتركها هنا، سيأخذها شامبهو. وأضافت قائلة: أنت تأخذ راديكا شامبهو، وهل لا تعطه قيمتها؟
ضحك كيستو ولم يتردد في أن يقول: هيا لنذهب. إنها شابة وجميلة، لم تنس راديكا أن تأخذ وإناء البترول معها عند المغادرة. وسال البترول على العشب واشتعلت النار وقالت ضاحكة: فليمت العجوز شامبهو حرقاً.
[1] . . كلمة "بِديني" مأخوذة من اللغة البنغالية، ومعناها لاعبة الثعبان. وهنا اسم بِديني "راديكا". وهي بطلة القصة. وقد نُشرت القصة في عام1943 م التي تناصر لحقوق المرأة وحريتها.
[2]. هذه القصة القصيرة مأخوذة من مجموعة أفضل قصص تاراشنكار المنتخبة في اللغة البنغالية أصلا. وتاراشنكار باندوبادهياي (1898- 1971م) من كبار الكتاب في اللغة البنغالية، وهو كاتب غزير الإنتاج، وكتب أكثر من 65 رواية و53 مجموعة قصصية، و12 مسرحية، وأربع كتب في الدراسات والبحوث، وأربع سير ذاتية، ورحلتين وعديدا من الأغاني للأفلام البنغالية، وحصل على جوائز كثيرة لمساهماته المبهرة والاستثنائية للأدب البنغالي، ومن أهمها جائزة رابندرنات، وجائزة ساهتيه أكاديمي، وجائزة جانا بيث، وجائزتا الدولة التقديرية بدما شري، وبدما بهوشان.
[3] د. محمد عالمغير، أستاذ مساعد، ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة بردوان، في ولاية البنغال الغربية، كاتب ومترجم من اللغة البنغالية...
[4] . سيرك أي Circus
.[5] هذا لفظ بنغالي ومعناه الإله القردي، ويختاره الهندوس في الهند لأسماء أبنائهم. وهم يعتقدون في أن هذا السخص سيكون ناجحا مزدهرا في المستقبل وستكون لديه معرفة كامنة.