كأنَّما وجْهُها مِنْ نُورِهِ القَمَرُ // وقدْ أحاطَ بِهِ مِثْلَ الدُّجى الشَّعَرُ
أوْ أنَّهُ الشَّمْسُ إذْ فاضَتْ أشِعَّتُها // يكادُ يُخْطَفُ مِنْ لأْلائِها البَصَرُ
أوْ أنَّهُ الرَّوْضُ لا تُحْصَى مَحاسِنُهُ // ظِلٌّ وعِطْرٌ وماءٌ حوْلَهُ زَهَرُ
دعْنِيْ أُسَرِّحْ عُيُونِيْ فِيْ مفاتِنِهِ // فمَا يَحُلُّ بِمَنْ يرْنُو لهُ كَدَرُ
فهْوَ الشِّفاءُ لِنارِ الوجْدِ في كَبِدِيْ // ومِنْهُ يُطْفَأُ شوْقِيْ حينَ يسْتَعِرُ
هَذَا الجَبِينُ بِتَاجِ الطُّهْرِ مُؤْتَلِقٌ // وَبِالنَّقَاءِ كَنُورِ البَدْرِ مُؤْتَزِرُ
وَحَاجِبٌ مِثْلُ قَابِ القَوْسِ شُدَّ لَهُ // هُدْبٌ لَهُ الجَفْنُ فِيْ كَفِّ الهَوَى وَتَرُ
وَالعَيْنُ كَأْسٌ رَشَفْنَا مِنْ مُدَامَتِهَا // وَمَا يُفِيقُ الأُلَى مِنْ كَأْسِهَا سَكِرُوا
لِلهِ رِئْمٌ سَبَى لَيْثًا بِمُقْلَتِهِ // فَاعْجَبْ لِرِئْمٍ عَلَى لَيْثٍ لَهُ ظَفَرُ
وَاعْجَبْ لِطَرْفٍ أُسُودُ الغَابِ تَرْهَبُهُ // لَوْ رَاحَ يَأْمُرُهَا بِالأَمْرِ تَأْتَمِرُ
وَاهٍ مِنَ الدَّلِّ لَكِنْ وَهْوَ ذُو أَيَدٍ // جَانٍ مِنَ البَأْسِ لَكِنْ وَهْوَ مُنْكَسِرُ
وَالخَدُّ كَالوَرْدِ مَكْسُوًّا بِحُمْرَتِهِ // أَحْلَى الخُدُودِ التِيْ يَزْهُو بِهَا الخَفَرُ
يَكَادُ يَرْفَضُّ مَاءً بَضُّ وَجْنَتِهِ // لَوْلَا لَهِيبٌ لَهُ مِنْ فَوْقِهَا شَرَرُ
وَالخَالُ قَامَ عَلَيْهَا حَارِسًا يَقِظًا // ،عَبْدٌ بِقَبْضَتِهِ صَمْصَامَةٌ ذَكَرُ
وَالثَّغْرُ ضُمَّةُ فُلٍّ فِيْ تَفَتُّحِهِ // إِنْ فَاهَ فَاحَتْ بِهِ الأَشْذَاءُ تَنْتَشِرُ
كَأَنَّ رِيحَ الصَّبَا هَبَّتْ مُضَمَّخَةً // بِالعِطْرِ جَادَ بِهَا فِيْ رَبْوَةٍ سَحَرُ
وَالأَنْفُ كَالسَّيْفِ تَسْتَجْلِيْ الشُّمُوخَ بِهِ // لِعِزَّةِ النَّفْسِ فِيْ عِرْنِينِهِ أَثَرُ
يا أجْملَ النَّاسِ كلِّ النَّاسِ في نظَريْ // وُقِيتَ مِن شرِّ ما يأتيْ بهِ النَّظَرُ
تقولُ صِفْنيْ وهَذا فوْقَ مَقْدِرَتِيْ // إنِّيْ إليْكِ لِعَجْزِ الوصْفِ أعْتَذِرُ
وكيْفَ يُوصَفُ شَيْءٌ ما لَهُ شَبَهٌ // وكيْفَ يُوصَفُ مَنْ حارَتْ بهِ الفِكَرُ
ولا تُحيطُ بهِ في وصْفِهِ لُغَةٌ // وليْسَ يَقْوى عَلَيْهِ الجِنُّ والبَشَرُ
يا سالبِيْ الُّلبَّ مِنْ عيْنٍ بِها حَوَرٌ // أحْلى العيون التِيْ قدْ زانَها الحَوَرُ
يا مُلْهمِيْ الشّعْرَ سحْرًا مِن لواحِظِهِ // لوْلاكَ ما اهْتَزَّ ليْ مِن نشوةٍ وتَرُ
ولا نَثَرْتُ عَلى الأسْماعِ مِنْ شَفَتِيْ // ما قِيلَ عنْهُ أشِعْرٌ ذاكَ أمْ دُرَرُ
حتَّى عليَّ أغَرْتِ النَّاسَ مِنْ حسَدٍ // وباتَ يلْحَقُني مِنْ كيْدِهِمْ ضَرَرُ
فَكَيْفَ أُجْزَى عَلَى الإِحْسَانِ كُلَّ أَذًى // وَفِيْ عِدَائِيْ تَلَاقَى البَدْوُ وَالحَضَرُ
وَبَاتَ أَقْرَبُ مَنْ أَدْنَيْتُ يُنْكِرُنِيْ // تَقُومُ مَا بَيْنَنَا الأَسْوَارُ وَالجُدُرُ
وَلَيْسَ ذَنْبِيْ سِوَى سَعْدٍ حُبِيتُ بِهِ // فَفُتُّهُ وَبِهَذَا قَدْ جَرَى القَدَرُ
وَبَاتَ فِيْ نَحْسِهِ أَسْيَانَ مُرْتَكِسًا // هَوَى إِلَى حُفَرٍ مِنْ خَلْفِهَا حُفَرُ
فَمُتْ بِغَيْظِكَ مِنْ قَهْرٍ وَمِنْ كَمَدٍ // إِنَّ الحَسُودَ وَضِيعُ الشَّأْنِ مُحْتَقَرُ
ما دمْتِ أنْتِ هُنا لاشَيْءَ يُؤْلِمُنِيْ // مِمَّا أُلاقِيْ ولا هَوْلٌ ولا خَطَرُ
كفَى بعيْنيْكِ لِيْ نورًا يُؤَانِسُنِيْ // في عتْمَةِ الدَّرْبِ مهْما حفَّها الخَطَرُ
إذا بلَغْتُ إلى دُنْيا رِضَاكِ فما // لِيْ حَاجَةٌ بَعْدَ ذا تُقْضى وَلا وَطَرُ