تتمتع منطقة بنجاب في شبه القارة الهندية بتقليد أدبي غني في الشعر الصوفي. أنجبت هذه الأرض العديد من الشعراء الصوفيين المشهورين من بينهم خواجه غلام فريد. قدم فريد الشعر في اللغة السرائيكية، وهي التي تنتمي إلى عائلة البنجابية.
ولد خواجه فريد عام 1845م في بلدة "شهكران"، على الضفة اليسرى لنهر السند. كان ملما باللغات الفارسية والعربية والأردية والسرائكية، وقارئ شعره يدرك هذه الحقيقة بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على شعره. توفي خواجه فريد عام 1901، ودُفن في قرية "كوت ميثان"، قرية أسلاف عائلته.
ومع الأسف لم يتم تسجيل سيرته بالتفصيل، ولم يصلنا إلا معلومات ضحلة مصدرها في الأغلب التقاليد الشفوية. ولكن لحسن حظنا بقي شعره لإثراء حياتنا.
شعر خواجة فريد شعر صوفي يتحدث عن الحب الإلهي وحب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وينصب في بحر الشعر الصوفي الزاخر الذي من أعلامه ابن العربي والحلاج وابن الفارض والعطار والرومي وأمير خسرو وميرزا بيدل وأمير حسن سجزي وغيرهم الكثير.
وإليكم "قصيدتان" من قصائد خواجه غلام فريد:
أنت حبي...
أنت حبي، أنت حبيبي
أنت عقيدتي وإيماني
أنت جسدي وروحي
أنت قلبي ومهجتي
أنت كعبتي وقبلتي ومسجدي ومنبري ومصحفي وقرآني
أنت فرائضي وواجباتي وحجي وزكاتي وصومي وصلاتي وأذاني
أنت زهدي وعبادتي وورعي وتقواي وعلمي وعرفاني
أنت ذكري وتأملي، أنت لذتي ونشوتي
أنت خليلي وصفيي وصبوتي وحياتي
أنت مرشدي وهادي دربي وشيخ طريقي
أنت أملي وأمنيتي، أنت مكاسبي وخساراتي ومعنى وجودي
أنت ديني وشرفي، أنت كرامتي وعزتي
أنت ضرائي وسرائي وضحكي وبكائي
أنت دائي ودوائي ومصدر سعادتي
أنت تهميمتي، أنت تهويدتي
أنت جمالي وحظي ومعالم عزي وشهرتي
أنت وحدك الذي يكترث لحالي، ويعنى بأمري، ويفهم شخصي ويعرف ذاتي
أنت تنهداتي وتأوهاتي وعاصفة دموعي
أنت خال خدي وتسريحة شعري وأناقتي ودلعي ودلالي
أنت حنائي وكحلي ومكياجي
أنت أحمر شفاهي وزينتي وتنبولي
أنت حبي، أنت حبيبي!
أنت قلقي وحيرتي وجنوني
أنت أناتي وآهاتي وأحر زفراتي
أنت بدايتي ونهايتي وظاهري وباطني
أنت غيمي وسحابي ورعدي وبرقي ومطري ورذاذي
أنت دار الحبيب وأنس الأنيس وأنت الصحراء الموشحة القاتلة
يا حبيبي، ليتك قبلت فريدا
فأنت سيدي وسلطاني
إلى من أشكو ...
إلى من أشكو بثي وحزني وجروح قلبي، ليس لي حبيب نجي
إن هذا العشق رغّم أنفي ونكّس رأسي وفضح سري وأضاع وقاري واعتباري
ولكن لم يأت أحد ليستفسر حالي، بل عكس ذلك هم يستهزؤون بي ويسخرون
أحمل على رأسي حمل الهجران الثقيل، وقد انتشرت قصص فضائحي في كل مكان
انقضي عمري في هذا الوضع، في بكاء ونحيب، ولكني لم أعثر عنوان منزلي
يبكي قلبي لفراق المحبوب، ويتوجع ويتحسر ويتألم ويتعذب.. هذا هو حال عاشقك
"بنو" لم يأخذني إلى "كيج" وتركني وحيدة، كل شيء يذكّر به، ويستدر دموعي
لكنه نسي كل شيء، ولا لي من سلوة في هذا الوضع الكئيب الحزين إلا أن اتظاهر بالنوم
يا ليلى، اسمعي صرخاتي، إن هذا المجنون، صريع هواك، قد أمضه الهم وهده الألم
يا حبيبي، ارفع ستار الهودج مرة، وأعطني لمحة من محياك الجميل
قلبي يتمنى أن يسافر إلى بلد الحبيب، ولكن الطريق إليه وعر خطير
و"فريد" لا يعرف مسالك هذا الطريق، إن سفره لشاق عسير.